للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي إيمَانِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ الْمُؤْمِنِينَ لَمَا جَعَلَ اللَّهُ شِفَاءَهُ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَمَّا التَّدَاوِي فَلَا يَجِبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ بِالْحَلَالِ، وَتَنَازَعُوا: هَلْ الْأَفْضَلُ فِعْلُهُ؟ أَوْ تَرْكُهُ عَلَى طَرِيقِ التَّوَكُّلِ؟ .

وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَغَيْرَهَا، لَمْ يُبِحْ ذَلِكَ إلَّا لِمَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُتَدَاوِيَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهَا، فَعُلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ.

وَأَمَّا مَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ لَا لِمُجَرَّدِ الضَّرُورَةِ: كَلِبَاسِ الْحَرِيرِ. فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ، لِحَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا» وَهَذَا جَائِزٌ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ لُبْسَ الْحَرِيرِ إنَّمَا حَرُمَ عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ. وَلِهَذَا أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ لِحَاجَتِهِنَّ إلَى التَّزَيُّنِ بِهِ، وَأُبِيحَ لَهُنَّ التَّسَتُّرُ بِهِ مُطْلَقًا فَالْحَاجَةُ إلَى التَّدَاوِي بِهِ كَذَلِكَ، بَلْ أَوْلَى، وَهَذِهِ حَرُمَتْ لِمَا فِيهَا مِنْ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ وَالْفَخْرِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لُبْسُهَا لِلْبَرْدِ: أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ غَيْرُهَا.

وَأَمَّا كَوْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَلِّفُ تَحْتَ الْأَرْضِ أَوْ لَا فَلَا أَصْلَ لَهُ، وَلَيْسَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَحْدِيدِ وَقْتِ السَّاعَةِ نَصٌّ أَصْلًا، بَلْ قَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: ١٨٧] . أَيْ خَفِيَتْ عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَقَالَ تَعَالَى لِمُوسَى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: ١٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي فَكَيْفَ أُطْلِعُ عَلَيْهَا.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ لَهُ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ» . فَأَخْبَرَ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>