ولفظ أحمد والحاكم وغيرهما مطولًا: "لا يبولن أحدكم في الجحر، وإذا نمتم فأطفئوا السراج؛ فإن الفأرة تأخذ الفتيلة فتحرق على أهل البيت، وأوكئوا الأسقية، وخمروا الشراب، وأغلقوا الأبواب".
والحديث سكت عليه أبو داود، وأحتج به النسائي في صحاحه، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وابن السكن والضياء والحاكم، وقال: "صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بجميع رواته، ولعل متوهمًا يتوهم أن قتادة لم يذكر سماعه من عبد الله بن سرجس، وليس هذا بمستبدع [كذا في المطبوع، والمخطوط (١/ ٨٦/ ب- رواق المغاربة)، والبدر المنير (٢/ ٣٢٣)، فقد سمع قتادة من جماعة من الصحابة لم يسمع منهم عاصم بن سليمان الأحول، وقد احتج مسلم بحديث عاصم عن عبد الله بن سرجس، وهو من ساكني البصرة، والله أعلم".
أما تصحيح ابن خزيمة للحديث فمأخوذ مما رواه الحاكم بإسناده عن ابن خزيمة قال: "أنهى عن البول في الأجحرة لخبر عبد الله بن سرجس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يبولن أحدكم في الجحر"، وقال قتادة: إنها مساكن الجن، لست أبت [وفي رواية: أثبت] القول أنها مسكن الجن؛ لأن هذا من قول قتادة".
وأما تصحيح ابن السكن فذكره ابن الملقن في البدر المنير (٢/ ٣٢٣)، وابن حجر في التلخيص (١/ ١٨٧).
وقال عبد الحق في الأحكام الكبرى (١/ ٣٦٧): "لم يسند هذا الحديث غير معاذ".
وقال النووي في الخلاصة (٣٤٤)، والمجموع (٢/ ١٠٤): "صحيح".
وقال ابن الملقن في البدر المنير (٢/ ٣٢١): "هذا الحديث صحيح".
ومع ما ذكره الحاكم هنا من عدم استبعاد سماع قتادة من ابن سرجس، فقد جزم بنفيه في المعرفة (١٤٩) بقوله: "وأن قتادة لم يسمع من صحابي غير أنس".
ولعله أخذ هذا القول الأخير مما رواه ابن أبي حاتم في المراسيل (٦١٩) عن الإمام أحمد قال: "ما أعلم قتادة روى عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا عن أنس - صلى الله عليه وسلم -. قيل: فابن سرجس؟ فكأنه لم يره سماعًا" وعقبه ابن أبي حاتم بقوله (٦١٩ ب): "حديث ابن سرجس: ما يرويه غير معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن عبد الله بن سرجس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البول في الأجحرة".
وفي هذا دلالة على أنه لا يعلم لقتادة عن ابن سرجس سوى هذا الحديث [انظر: تحفة الأشراف (٤/ ٣٤٨)، إتحاف المهرة (٦/ ٦٦٦)، الإمام (٢/ ٤٥٩)، البدر المنير (٢/ ٣٢٣)].
فإذا علمنا بأنه ليس لقتادة عن ابن سرجس سوى هذا الحديث ثم بعد ذلك يقول أبو حاتم: "ولم يلق قتادة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنسًا وعبد الله بن سرجس" [المراسيل (٦٤٠)، الجرح والتعديل (٧/ ١٣٣)].