على رواية الحديث عن: الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه، عن عمار، قال: تيممنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المناكب.
وهذا هو المحفوظ: عن الزهري في هذا الحديث؛ فإن الإمام مالكًا من أثبت الناس في الزهري؛ بل هو أثبت من روى عنه هذا الحديث، والقول قوله، فكيف وقد تابعه عليه: سفيان بن عيينة، وهو أيضًا من أثبت أصحاب الزهري، وتابعهما: أبو أويس المدني.
وابن عيينة أثبت في الزهري من: معمر، ويونس، وابن أبي ذئب، والليث بن سعد، وصالح بن كيسان، فضلًا عن غيرهم، ممن روى عنه هذا الحديث، فكيف وقد تابعه من هو أحفظ منه لحديث الزهري، الإمام مالك.
قال ابن أبي حاتم في العلل (١/ ٣١/ ٦١): "وسألت أبي وأبا زرعة، عن حديث رواه صالح بن كيسان، وعبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمار، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التيمم؟
فقالا: هذا خطأ؛ رواه مالك، وابن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار؛ وهو الصحيح، وهما أحفظ.
قلت: قد رواه يونس، وعقيل، وابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عمار، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم أصحاب الكتب؟
فقالا: مالك صاحب كتاب، وصاحب حفظ".
وما قالاه هو الصواب.
وأما النسائي فقد ذهب إلى تصويب الوجهين: الثاني والثالث، فقال في السنن الكبرى بعدما أخرج حديث صالح بن كيسان -بزيادة ابن عباس في الإسناد-: "خالفه مالك بن أنس: رواه عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار"، ثم أخرجه من طريق مالك، ثم قال: "وكلاهما محفوظ، والله أعلم".
قلت: وقوله هذا ممكن محتمل من جهة منزلة عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، فإنه: ثقة ثبت فقيه، وأحد الفقهاء السبعة الأعلام، وكان من بحور العلم، فيحتمل من مثله التعدد في الأسانيد، لكن قول أبي حاتم وأبى زرعة هو الصحبح لوجهين:
الأول: أن مالكًا وابن عيينة: أثبت في الزهري من كل من روى عنه هذا الحديث.
والثاني: أن من قال: عن عبيد الله، عن ابن عباس، فقد سلك الجادة والطريق السهل لكثرة ما يروي عبيد الله عن ابن عباس، بخلاف روايته عن أبيه، فتحتاج إلى حافظ.
وبناء على هذا: فإن عبد الله بن عتبة بن مسعود: ثقة، رفيع القدر، كثير الحديث والفتيا، فقيه، سمع عمر بن الخطاب، واستعمله عمر على سوق المدينة، وكان قد ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأتي به، فمسحه بيده ودعا له، ذكره البخاري في التابعين، وقال: "سمع عمر - رضي الله عنه -، كان بالكوفة"، وذكره ابن البرقي فيمن أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يثبت عنه رواية، فهو: تابعي من كبار التابعين، وغلط من عده في الصحابة، فقد توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وله