للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن المنذر: "أجمع عوام أهل العلم على أن من تيمم ثم وجد الماء قبل دخوله في الصلاة أن طهارته تنقض، وعليه أن يتطهر ويصلي.

واختلفوا فيمن تيمم فدخل في الصلاة ثم وجد الماء:

فقالت طائفة: يمضي في صلاته ويتمها، ولا إعادة عليه، هذا قول: مالك، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور.

وقد حكي عن أحمد أنه قال: أعجب إليَّ أن يتوضأ.

وقالت طائفة: ينصرف ويتوضأ ويستقبل الصلاة، هذا قول الثوري.

وحكي عن النعمان أنه قال: إن وجد الماء قبل أن يسلم، وقد قعد قدر التشهد أن صلاته فاسدة، فيتوضأ ويستقبل الصلاة. . .

[ثم نقل قول يعقوب، ومحمد، والأوزاعي، ثم قال أبو بكر:] احتج بعض من يقول بالقول الأول، فقال: جعل الله للطهارة وقتًا، وجعل للصلاة وقتًا غيره، فوقت الطهارة هو وقت القيام إلى الصلاة قبل الدخول فيها، ووقت الصلاة هو وقت الدخول في أدائها، وهو حينئذ غير متعبد بفرض الطهارة؛ إذ لا يجوز له أن يدخل الصلاة إلا بعد فراغه من طهارتها، فإذا تيمم كما أمر، فقد خرج عن فرض الطهارة وإذا كبر فقد دخل في فرض الصلاة.

قال أبو بكر: ولا يجوز نقض طهارة قد مضى وقتها وإبطال ما صلى من الصلاة كما فرض عليه وأمر به إلا بحجة من كتاب أو سُنَّة أو إجماع" [الأوسط (٢/ ٦٥ - ٦٦)].

قلت: وما ذهب إليه ابن المنذر هو الصواب، فإن من دخل في العبادة على وجه مأذون له فيه شرعًا، وأتى فيه بما أمر به، فلا ينتقض إلا بدليل صحيح صريح، وأما ما استدل به بعضهم من حديث أبي ذر الصحيح: "فإذا وجد الماء فليمسه بشرته"، فقد قال الشوكاني في نيل الأوطار (١/ ٤٠٦): "ولكنه يشكل على الاستدلال بهذا الحديث قوله: "فإن ذلك خير"، فإنه يدل على عدم الوجوب المدعى".

وأما ما نقله ابن المنذر عن أحمد في القول الأول، فقد حكى المرداوي في الإنصاف (١/ ٢٨٤) أنه رجع عنه، فقال شارحًا عبارة المقنع: "وإن وجده فيها بطلت"، قال المرداوي: "هذا المذهب بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب، وعنه: لا تبطل، ويمضي في صلاته"، إلى أن قال: "روى المروذي عن أحمد أنه رجع عن الرواية الثانية، فلذلك أسقطها أكثر الأصحاب. . .".

وفي مسائل صالح (١٢٧) قال: قلت: المتيمم يرى الماء وهو في الصلاة؟ قال الإمام أحمد: "قد كنت أقول: يمضي في صلاته، ثم وقفت فيها".

وانظر: المدونة الكبرى (١/ ٤٦)، الأم (٢/ ١٠١)، الجامع لأحكام القرآن (٥/ ٢٢٦)، المغني (١/ ١٦٧)، قواعد ابن رجب (١/ ٤١)، وغيرها.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>