للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥ - ما ادعاه بعضهم من تدليس أبي إسحاق لهذا الحديث فليس بشيء، فقد صرح يوسف بن أبي إسحاق فيه بالسماع، وقد علقه البخاري، وقال الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري: بأن يحيى بن سعيد لا يرضى أن يأخذ عن زهير عن أبي إسحاق ما ليس بسماع لأبي إسحاق.

ونختم ببيان أن زيادة: ائتني بحجر، ائتني بغيرها: زيادة غير محفوظة، فإنها لا تحفظ إلا من حديث أبي إسحاق عن علقمة عن ابن مسعود، وأبو إسحاق لم يسمع من علقمة، فضلًا عن كون هذا الطريق غير محفوظ، وإنما اختلف النقاد في ترجيح رواية إسرائيل على رواية زهير، أو العكس، واتفقوا على اطراح بقية الطرق عن أبي إسحاق، والله أعلم.

• أما على تأويل الركس بأنه طعام الجن فموافق لما تقدم من حديث أبي هريرة ومرسل الشعبي، وأما على تأويله بأنه نجس فمحمول على روث غير مأكول اللحم، ففي رواية ابن خزيمة بإسناد حسن: "وروثة حمار" [وانظر: الإمام (٢/ ٥٦٧)، فتح الباري (١/ ٣١٠)، عون المعبود (١/ ٢٢٠)، هدي الساري (١٢٥)، وغيرها].

• بقيت مسألة أخيرة: هل ما قال به بعض أهل الظاهر، وهو رواية أبي بكر عبد العزيز عن أحمد: بأن الاستجمار بالحجر متعين لنصه - صلى الله عليه وسلم - عليه فلا يجزئ غيره، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به، والأمر للوجوب، ولأنه موضع رخصة ورد الشرع فيها بآلة مخصوصة فوجب الاقتصار عليها؛ كالتراب في التيمم؟ [المغني (١/ ١٠٣)، النيل (١/ ٩٤)].

والصحيح: هو ما ذهب إليه الجمهور: أن الحجر ليس متعينًا بل تقوم الخرقة والخشب وغير ذلك مقامه وكل جامد طاهر مزيل للعين ليس له حرمة ولا هو جزء من حيوان.

ويدل عليه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن الاستنجاء بالعظم والروث، ثم علل ذلك النهي بكونهما طعام الجن، وبأن الروث نجس، فلما حصر المنهي عنه مع بيان علة النهي دل على أن غيره مما يقوم مقام الحجر مجزئ، وإلا لو كان الحجر متعينًا لنهى عما سواه مطلقًا، ولما علل رده للروثة بأنها ركس، ولقال بأنها ليست بحجر، ولما كان للتخصيص معنى.

"وإنما نص على الأحجار لكونها غالب الموجود للمستنجي بالفضاء، مع أنه لا مشقة فيها، ولا كلفة في تحصيلها، وهذا نحو قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: ١٥١] وقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: ١٠١] ونظائر ذلك، فكل هذا مما ليس له مفهوم يعمل به لخروجه على الغالب" [قاله النووي في المجموع (٢/ ١٣٢ - ١٣٤)].

"ولأنه متى ورد النص بشيء لمعنى معقول وجب تعديته إلى ما وجد فيه المعنى،

<<  <  ج: ص:  >  >>