وانظر: سنن الدارقطني (١/ ٢٥٣)، فقد زاد في عدتهم.
وقال في التتبع (١٥٦): "وهذا مما ينتقد به على مالك؛ لأنه رفعه [كذا، والصواب: وقفه] , وقال فيه: "إلى قباء"، وخالفه عدد كثير، منهم: ... "، فذكر بعضهم.
ونقل ابن حجر أيضًا في الفتح (٢/ ٣٦) أن البزار وهَّم فيه مالكًا.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (٣/ ٧٧): "هكذا هو في الموطأ، ليس فيه ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه عبد الله بن نافع، وابن وهب -في رواية: يونس بن عبد الأعلى عنه-، وخالد بن مخلد، وأبو عامر العقدي، كلهم: عن مالك، عن الزهريّ، عن أنس بن مالك: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العصر، ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة.
وكذلك رواه عبد الله بن المبارك، عن مالك، عن الزهريّ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، جميعًا عن أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العصر، ثم يذهب الذاهب إلى قباء، قال أحدهم: فيأتيهم وهم يصلون، وقال الآخر: فيأتيهم والشمس مرتفعة.
فهؤلاء رووا هذا الحديث عن مالك على خلاف لفظ الموطأ.
وهو حديث مرفوع عند أهل العلم بالحديث؛ لأن معمرًا وغيره من الحفاظ قالوا فيه: عن الزهريّ، عن أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العصر، ويذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة.
هكذا قال فيه جماعة أصحاب ابن شهاب عنه: يذهب الذاهب إلى العوالي، وهو الصواب عند أهل الحديث.
وقول مالك عندهم: "إلى قباء" وهم لا شك فيه، ولم يتابعه أحد عليه في حديث ابن شهاب هذا.
إلا أن المعنى في ذلك متقارب على سعة الوقت؛ لأن العوالي مختلفة المسافة، وأقربها إلى المدينة ما كان على ميلين أو ثلاثة، ومنها ما يكون على ثمانية أميال وعشرة، ومثل هذا هي المسافة بين قباء وبين المدينة، وقباء موضع بني عمرو بن عوف، وقد نص على بني عمرو بن عوف في حديث أنس هذا: إسحاق بن أبي طلحة".
• هكذا جزم هؤلاء الحفاظ النقاد: النسائي، والبزار، والدارقطني، وابن عبد البر، بتوهيم مالك في قوله في هذا الحديث: "إلى قباء"، وأنه لم يتابع عليه.
لكن ادعى بعضهم بأن ابن أبي ذئب قد تابعه على ذلك، وهو قول مردود، ودعوى باطلة:
معتمده ما علقه البيهقي في المعرفة (١/ ٤٥٧)، قال: "وقال الشافعي في القديم: أخبرنا أبو صفوان بن سعيد بن عبد الملك بن مروان، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن الزهريّ، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر، ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيها والشمس مرتفعة".
وأبو صفوان هذا: هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان الأموي الدمشقي نزيل مكة؛ ثقة، روى له الشيخان، لكن روايته هذه: وهم بلا شك.