ولو سئلوا عن ذلك لأجابوا بأنه لا يعتمد في ذلك الضعيف، وإنما أباح العلماء العمل بالضعيف في القصص وفضائل الأعمال التي ليست فيها مخالفة لما تقرر في أصول الشرع مثل فضل التسبيح، وسائر الأذكار، والحث على مكارم الأخلاق، والزهد في الدنيا وغير ذلك مما أصوله معلومة مقررة".
قال أبو المظفر محمد بن أحمد بن حامد بن إبراهيم بن الفضل البخاري: لما عُزل أبو العباس الوليد بن إبراهيم بن زيد الهمذاني عن قضاء الرَّي ورد بُخارى سنة ثماني عشرة وثلاث مئة لتجديد مودةٍ كانت بينه وبين أبي الفضل محمد بن عُبَيد الله البَلْعمي، فنزل في جوارنا.
قال: فحملني معلمي أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الخُتَّلي إليه، وقال له: أسألك أن تحدِّث هذا الصبي بما سمعت من مشايخك رحمهم الله. فقال: ما لي سماع. قال: فكيف وأنت فقيه، فما هذا؟ قال: لأني لما بلغتُ مبلغَ الرجال تاقت نفسي إلى طلب الحديث، ومعرفة الرجال، ودراية الأخبار، وسماعها، فقصدتُ محمدَ بن إسماعيل البخاري ببخارى صاحب "التاريخ" والمنظور إليه في معرفة الحديث، فأعلمتُه مُرادي، وسألته الإقبال علي بذلك.
فقال لي: يا بني لا تدخل في أمر إلا بعد معرفة حدوده، والوقوف على مقاديره.
قال: فقلت له: عرِّفني حدودَ ما قصدتُ له، ومقادير ما سألتك عنه؟
قال: اعلم أن الرجل لا يصير محدثًا كاملًا في حديثه إلا بعد أن يكتب أربعًا مع أربع كأربع مثل أربع في أربع عند أربع بأربع على أربع عن أربع لأربع، وكل هذه الرباعيات لا تتم إلا بأربع مع أربع، فإذا تمت له كلها هانت عليه أربع وابتلي بأربع، فإذا صبر على ذلك أكرمه الله تعالى في الدنيا بأربع، وأثابه في الآخرة بأربع.
قال: قلت له: فسِّر لي رحمك الله ما ذكرت من أحوال هذه الرباعيات عن قلب صافٍ بشرح كافٍ، وبيان شافٍ طلبًا للأجر الوافي.
قال: نعم، أما الأربعة التي تحتاج إلى كِتْبتها هي: أخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- وشرائعه، والصحابة ومقاديرهم، والتابعين وأحوالهم، وسائر العلماء وتواريخهم.