ثوب واحد متلبِّبًا به، أي تحزم بثوبه عند صدره" [وانظر: النهاية (٤/ ٢٢٣)].
قلت: إذا جعلنا الروايات يفسر بعضها بعضًا، فيمكن تفسير التلبب بالتوشح، لقوله في الرواية الأخرى: فحل الإزار، وتوشح به، بل إنه فسر التلبب في نفس الرواية بقوله: متلببًا به، قد خالف بين طرفيه، وهو عين التوشح، وبهذا يكون حديث كيسان هذا موافق في معناه لحديث عمر بن أبي سلمة، وحديث جابر بن عبد اللَّه، وحديث أبي سعيد الخدري، وحديث أنس، وحديث ابن عباس الآتي بعد هذا، قالوا: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ثوب واحد متوشحًا به.
وعليه: فليس في حديث كيسان هذا ما ينكر معناه، فيُرَدُّ به، والضعف فيه يسير؛ لما في عبد الرحمن بن كيسان من جهالة، ومثل هذا يصلح في الشواهد، ويحسن بها.
فهو حديث حسن في الشواهد، والله أعلم.
٥ - عن ابن عباس:
يرويه ابن إسحاق، قال: حدثني سلمة بن كهيل، ومحمد بن الوليد، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في برد له حضرمي، متوشحًا به، ما عليه غيره.
أخرجه الطحاوي (١/ ٣٨٠)، بإسناد صحيح إلى ابن إسحاق.
وهذا إسناد حسن.
٦ - عن رجل رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -:
رواه شعبة، قال: سمعت أبا مالك الأشجعي، يحدث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: أخبرني من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ثوب واحد، قد خالف بين طرفيه.
أخرجه أحمد (٣/ ٤٦٢) و (٤/ ١٧) و (٥/ ٣٦٦)، ومن طريقه: أبو نعيم في معرفة الصحابة (٦/ ٣١٨١/ ٧٣١٣).
إسناده صحيح، وجهالة الصحابي لا تضر، وقد سمع منه أبو سلمة.
لكن خالفه: يزيد بن هارون، فرواه عن أبي مالك الأشجعي، قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن الصلاة في الثوب الواحد؟ فقال: إني لأصلي في الثوب الواحد، وإلى جنبي ثياب، لو أشاء أن آخذ منها لأخذت.
أخرجه ابن أبي شيبة (١/ ٢٧٧/ ٣١٧٩).
قلت: لا تضر شعبة مخالفة يزيد بن هارون له، فهي زيادة من ثقة حافظ؛ فتقبل، وأبو مالك سعد بن طارق الأشجعي: ثقة، يحتمل منه مثل هذا، والله أعلم.
٧ - عن عمرو بن حزم:
أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم: "لا يصلِّينَّ أحدكم في الثوب الواحد؛ إلا مخالفًا بين طرفيه".
ويأتي تحقيق القول فيه في موضع آخر إن شاء الله تعالى.