للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما حجتهم الأخرى؛ فإن مالكًا هو الَّذي أخرج في موطئه أيضًا: حديث أبي السائب عن أبي هريرة [المتقدم برقم (٨٢١) وصححه واحتج به في باب: "القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة"، وبذا يظهر أن الإمام مالكًا قد احتج بالحديثين جميعًا، وأنه لم ير بينهما تعارضًا، فأين المعارضة بينهما؟ وهذا له وجه، وهذا له وجه، فإن قول أبي هريرة لأبي السائب: "اقرأ بها في نفسك"، لا يعني: أن يقرأ بها خلف الإمام حال جهره بالقراءة، وإنما فيما خافت فيه، فللَّه درُّ إمام أهل المدينة، الَّذي ينقل لنا عملًا أهل المدينة، الَّذي أدركهم عليه، من ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر، والقراءة خلفه إذا لم يجهر، وساق الدليل على المسألتين، فاتفقت بذلك الأدلة، ولم تتعارض، ولم نحتج إلى التكلف في ردِّها نصرة للمذهب، كما فعل البيهقي، ومن نحا نحوه، والله أعلم.

• ومما يؤيد هذا التأويل لحديث أبي السائب جمعًا بين الحديثين:

ما رواه وكيع بن الجراح، ومحمد بن يوسف الفريابي:

عن سفيان الثوري، عن عاصم بن بهدلة، عن ذكوان أبي صالح، عن أبي هريرة، وعائشة، قالا: اقرأ خلف الإمام فيما يخافت به، وفي رواية الفريابي: أنهما كانا يأمران بالقراءة وراء الإمام إذا لم يجهر.

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (٣/ ١٠٣/ ١٣١٣) (٣/ ١٣٠٨/ ٢٥٦ - ط الفلاح)، والبيهقي (٢/ ١٧١).

وهذا إسناد جيد، وفيه دلالة ظاهرة على أن أبا هريرة كان لا يقول بالقراءة خلف الإمام حال جهره، وإنما فيما خافت فيه.

ورواه عكرمة، عن زهير: ثنا عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة وعائشة؛ أنهما كانا يأمران بالقراءة خلف الإمام في الظهر والعصر، وفي الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وشيء من القرآن، وكانت عائشة - رضي الله عنها - تقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب.

أخرجه البيهقي (٢/ ١٧١).

زهير هو: ابن معاوية، وعكرمة هذا هو: ابن إبراهيم الأزدي الموصلي، وهو: ليس بشيء، منكر الحديث [اللسان (٥/ ٤٦٠)].

• وقد ذهب بعضهم إلى القول بنسخ أحد الحديثين للآخر، قال الحميدي: "لأنا وجدناهما عن أبي هريرة، ولم يتبين لنا أيهما بعد الآخر، حتَّى أبان ذلك العلاء في حديثه حين قال: قال لي أبو هريرة: يا فارسي اقرأها في نفسك، فعلمنا أنما أمر بذلك أبو هريرة أبا العلاء بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يحتمل أن يكون حديث ابن أكيمة الناسخ ثم يأمر أبو هريرة أن يعمل بالمنسوخ، وهو رواهما معًا.

وفي قول عبادة بن الصامت أنَّه: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وهو رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي قول أبي هريرة هذا: ما دل على أنَّه إنما عنى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة في الجهر

<<  <  ج: ص:  >  >>