إلى أن قال:"وأيضًا فالمقصود بالجهر استماع المأمومين، ولهذا يؤمِّنون على قراءة الإمام في الجهر دون السر، فإذا كانوا مشغولين عنه بالقراءة فقد أُمِر أن يقرأ على قوم لا يستمعون لقراءته، ... ، وهذا سفه تنزه عنه الشريعة" [مجموع الفتاوى (٢٣/ ٢٦٥ - ٢٧٩)].
وقال في تعارض العمومين، عموم الآية في الأمر بالإنصات، وعموم حديث عبادة:"فهذا عموم قد خُصَّ منه المسبوق بحديث أبي بكرة وغيره، وخُصَّ منه الصلاة بإمامين؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صلى بالناس وقد سبقه أبو بكر ببعض الصلاة قرأ من حيث انتهى أبو بكر ولم يستأنف قراءة الفاتحة؛ لأنه بنى على صلاة أبي بكر، فإذا سقطت عنه الفاتحة في هذا الموضع فعن المأموم أولى، وخُصَّ منه حال العذر، وحال استماع الإمام حال عذر، فهو مخصوص، وأمر المأموم بالإنصات لقراءة الإمام لم يخص معه شيء، لا بنص خاص، ولا إجماع، وإذا تعارض عمومان: أحدهما محفوظ، والآخر مخصوص، وجب تقديم المحفوظ.
وأيضًا: فإن الأمر بالإنصات داخل في معنى اتباع المأموم، وهو دليل على أن المنصت يحصل له بإنصاته واستماعه ما هو أولى به من قراءته" [المجموع (٢٣/ ٢٩٠)، وانظر:(٢٣/ ٣١٢)].
وقال أيضًا:"ولأن المأموم مأمور باستماع ما زاد على الفاتحة، وليست قراءةً واجبةً، فكيف لا يؤمر بالاستماع لقراءة الإمام الفاتحة، وهي الفرض، وكيف يؤمر باستماع التطوع دون استماع الفرض، وإذا كان الاستماع للقراءة الزائدة على الفاتحة واجبًا بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، فالاستماع لقراءة الفاتحة أوجب" [المجموع (٢٣/ ٢٩٥)، وانظر:(٢٣/ ٣١٣)].
وقد سبق أن نقلت بعض كلام شيخ الإسلام في هذه المسألة في مواضع متفرقة من البحث، بحسب الحاجة، والله أعلم.
• مسألة: هل يقرأ الفاتحة في كل ركعة؟ أم مرة واحدة تجزئ؟
قلت: يفصل المسألة قول الصاحب، فقد روى مالك، عن أبي نعيم وهب بن كيسان، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: من صلى ركعةً لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصلِّ؛ إلا وراء الإمام [تقدم تخريجه، وهو موقوف صحيح].
قال ابن عبد البر في التمهيد (٢٠/ ١٩٩): "وجابر أحد علماء الصحابة الذين يُسلَّم لهم في التأويل؛ لمعرفتهم بما خرج عليه القول".
وفي مسائل إسحاق بن منصور الكوسج لأحمد (١٩٣): "قلت: إذا لم يقرأ في الأخيرتين؟ قال: لا تجزئه، كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب في كل ركعة لا تجزئه؛ إلا وراء الإمام".
• ومما يشهد لهذا المعنى أيضًا: حديث رفاعة بن رافع في قصة المسيء صلاته، والشاهد منه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ثم اقرأ بأمِّ القرآن، ثم اقرأ بما شئتَ"، إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ثم اصنع ذلك في كلِّ ركعةٍ".