للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحديث بظاهره وعدم تفصيله للمسألة يدل على عدم البطلان، ومن ثم عدم وجوب الإعادة عليه، وإن كان الأولى هو الإسرار؛ لأنه ذكر، والسُّنَّة في الأذكار في الصلاة الإسرار، والله أعلم [انظر: شرح مسلم للنووي (٥/ ٢١)].

• وأما التشميت: فعلى من سمعه أن يتشاغل بصلاته عن تشميته، لهذا الحديث: "إن هذه الصلاة لا يحلُّ فيها شيءٌ من كلام الناس هذا، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"، وقد سيق أصالة للمنع من تشميت العاطس في الصلاة، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن مسعود: "إن في الصلاة لشغلًا" [تقدم برقم (٩٢٣)، وهو حديث متفق عليه]، ولحديث ابن مسعود أيضًا: "إن الله قد أحدث من أمره أن لا تكلموا في الصلاة" [تقدم برقم (٩٢٤)، وهو حديث صحيح]، ولحديث زيد بن أرقم: فأُمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام [وهو حديث متفق عليه، ويأتي تخريجه قريبًا برقم (٩٤٩)، إن شاء الله تعالى].

فإن شمته أحدٌ جاهلًا بتحريم الكلام أو ناسيًا، فهو داخل في عموم هذا الحديث؛ فإن معاوية بن الحكم قد تكلم في الصلاة بعد أن نزل التحريم، بدليل إنكار الصحابة عليه، وكان جاهلًا بالحكم، ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة.

قال الأوزاعي: "كان إسلام معاوية بن الحكم في آخر الأمر، فلم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعادة الصلاة، فمن تكلم في صلاته ساهيًا أو جاهلًا مضت صلاته، ومن تكلم متعمدًا استأنف الصلاة" [سنن البيهقي (٢/ ٣٦٥)، المجموع شرح المهذب (٤/ ٩٩)].

وقال ابن خزيمة في صحيحه (٢/ ١٢١): "ومعاوية بن الحكم السلمي إنما تكلم وهو لا يعلم أن الكلام في الصلاة محظور، فقال في الصلاة خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - لما شمت العاطس ورماه القوم بأبصارهم: واثُكل أمِّياه ما لكم تنظرون إليَّ، فلما تكلم في الصلاة بهذا الكلام، وهو لا يعلم أن هذا الكلام محظور في الصلاة، علمه - صلى الله عليه وسلم - أن كلام الناس في الصلاة محظور غير جائز، ولم يأمره - صلى الله عليه وسلم - بإعادة تلك الصلاة التي تكلم فيها بهذا الكلام".

وقال الماوردي في الحاوي (٢/ ١٨٠): "لأنه تكلم جاهلًا بتحريم الكلام فلم تبطل صلاته، ولا أمره بإعادتها، والجاهل بتحريم الكلام في حكم المتكلم ناسيًا" [وانظر: المغني (١/ ٣٩١)، المجموع شرح المهذب (٤/ ٩٧)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٢١/ ١٦٠) و (٢٢/ ٤٢ و ١٨٦)، إعلام الموقعين (١/ ٢٧٣)، بدائع الفوائد (٤/ ٩٧٤)، فتح الباري لابن رجب (٦/ ٣٧٤ و ٤١٥)].

• فإن كان عامدًا للتشميت، عالمًا بتحريم الكلام في الصلاة، جاهلًا بحكم التشميت، ظانًّا خروجه من عموم تحريم الكلام، بطلت صلاته، ويؤمر بالإعادة [وانظر: الحاوي للماوردي (٢/ ١٨٣)، المجموع شرح المهذب (٤/ ٩٤)].

وسيأتي لهذه المسألة مزيد بيان في موضعها من السنن، في باب السهو في السجدتين (١٠٠٨ - ١٠١٨)، إن شاء الله تعالى، وانظر أيضًا ما تقدم ذكره في آخر الحديث رقم (٨٦١).

***

<<  <  ج: ص:  >  >>