• ومن أدلتهم على الوجوب أيضًا: حديث أبي مسعود، الذي رواه ابن إسحاق، قال: وحدثني -في الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا المرء المسلم صلى عليه في صلاته- محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري -أخي بلحارث بن الخزرج-، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، قال: أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن عنده، فقال: يا رسول الله! أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا؛ صلى الله عليك؟ ... الحديث.
وهو حديث حسن، تقدم برقم (٩٨١)، وقد احتجوا منه بهذه الجملة الأخيرة، فيقال: في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يرد دعواهم؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال في أوله:"إذا أنتم صليتم عليَّ، فقولوا: اللهم صلِّ على محمد النبي الأمي، ... "، فعلق النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر بالصلاة عليه، بقوله:"إذا أنتم صليتم عليَّ"، والتعليق بهذه الصيغة لا ينهض لمدعاهم من القول بالوجوب، بل يدل على أنه إذا صلى عليه بعد التشهد فليقل ما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا لم يصل عليه فصلاته جائزة، والله أعلم.
• ومن أدلتهم على الوجوب أيضًا: حديث فضالة بن عبيد؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلًا يدعو في صلاته؛ لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عجل هذا"، ثم دعاه، فقال له أو لغيره:"إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي، ثم يدعو بعدُ بما شاء".
أخرجه أبو داود (١٤٨١)، وانظر تخريجه في تخريج أحاديث الذكر والدعاء (٣/ ٩٣٠/ ٤١٢)، وهو حديث حسن.
فيقال: هذا الحديث حجة لنا عليكم؛ إذ لو كان فرضًا لأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة، مثل ما أمر المسيء صلاته بإعادة صلاته، لما قصر في ركن من أركانها، وهو الطمأنينة، فلما لم يأمره بالإعادة دل على عدم فرضية ذلك عليه.
ثم المأمور به في هذا الحديث ثلاثة أشياء: التمجيد والثناء، وهو محمول عند البعض على التشهد، ثم الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، ثم الدعاء، والتشهد متفق على فرضه [على فرض أنه المراد بالتمجيد والثناء]، والثاني: مختلف فيه، والثالث: الأكثر على استحبابه، فاختلفت أحكام المذكورات، وهذا من أدلة ضعف دلالة الاقتران أيضًا، فاحتجنا عندئذ إلى دليل من خارج يدل على حكم كل فرد من أفراد المذكورات المندوب إلى فعلها في هذا الحديث، وهذا فضلًا عن عدم انتهاض سياقه للدلالة على الوجوب أصالة، مع عدم التنصيص فيه على أن الرجل ترك التشهد، والله أعلم.
قال ابن عبد البر في التمهيد (١٦/ ١٩٢): "ففي حديث فضالة هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر المصلي إذ لم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته بالإعادة؛ فدل على أن ذلك ليس بفرض، ولو ترك فرضًا لأمره بالإعادة، كما أمر الذي لم يقم ركوعه ولا سجوده بالإعادة، وقال له: "ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ""، وكذا قال في الاستذكار (٢/ ٣٢٠).