قال: وكان من أصدق موالي ابن عباس. قال الشافعي: كأنه نسيه بعدما حدثه إياه.
وفي رواية الحميدي: "ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بالتكبير"، قال عمرو: فذكرت بعد ذلك لأبي معبد فأنكره، وقال: لم أحدِّثْك به، فقلت: بلى قد حدَّثتنيه قبل هذا، قال سفيان: كأنه خشي على نفسه.
ورواه أحمد بنحو رواية الحميدي وابن أبي عمر، وفيه: قال عمرو: قلت له: حدَّثتني، قال: لا، ما حدَّثْتُك به.
* فهل إنكار أبي معبد لتحديثه بهذا الحديث، يقدح في ثبوته؟
قال الشافعي: "كأنه نسيه بعدما حدثه إياه".
وقال ابن حزم في المحلى (٤/ ٢٦٠): "فإن قيل: قد نسي أبو معبد هذا الحديث وأنكره، قلنا: فكان ماذا؟! عمرو: أوثق الثقات، والنسيان لا يَعْرَى منه آدميٌ، والحجة قد قامت برواية الثقة".
وقال البيهقي في المعرفة (٧/ ٤٠٤): "وقد ينسى المحدث حديثه؛ فلا يقدح ذلك في سماع من سمعه منه قبل النسيان".
وقال الخطيب في الكفاية: "وقد اختلف الناس في العمل بمثل هذا وشبهه، فقال أهل الحديث، وعامة الفقهاء؛ من أصحاب مالك والشافعي وغيرهما، وجمهور المتكلمين: إن العمل به واجب؛ إذا كان سامعه حافظًا، والناسي له بعد روايته عدلًا، وهو القول الصحيح"، ثم حكى خلاف الحنفية في ذلك.
وقال النووي في شرح مسلم (٥/ ٨٤): "في احتجاج مسلم بهذا الحديث: دليل على ذهابه إلى صحة الحديث الذي يروى على هذا الوجه؛ مع إنكار المحدث له إذا حدث به عنه ثقة، وهذا مذهب جمهور العلماء من المحدثين والفقهاء والأصوليين، ... " [نقله عن القاضي عياض بتصرف (٢/ ٥٣٦ - إكمال المعلم)].
وقال ابن حجر في الفتح (٢/ ٣٢٦):"وهذا يدل على أن مسلمًا كان يرى صحة الحديث؛ ولو أنكره راويه؛ إذا كان الناقل عنه عدلًا"، قلت: ولما كان مثل هذا الإنكار الواقع في الرواية لا يخفى على البخاري؛ فيقال إذًا بأن البخاري أيضًا يرى صحة حديث المحدث إذا أنكره، وأثبته الناقل عنه وكان حافظًا، هذا وإن كان البخاري لم يأت بقصة الإنكار في تمام الرواية التي أخرجها.
ومما يصح أن يقال أيضًا في هذا الموضع: ما قاله ابن حبان عقب حديث: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" [صحيح ابن حبان (٩/ ٣٨٦/ ٤٠٧٤)]، فقد قال بعد كلام: "وليس هذا مما يهي الخبر بمثله، وذلك أن الخيِّر الفاضل المتقن الضابط من أهل العلم قد يحدِّث بالحديث ثم ينساه، وإذا سئل عنه لم يعرفه؛ فليس بنسيانه الشيء الذي حدَّث به بدالٍّ على بطلان أصل الخبر، والمصطفى - صلى الله عليه وسلم - خير البشر صلى فسها، فقيل له: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: "كل ذلك لم يكن"، فلما جاز على من