للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن أبي هريرة، وهو غالبها، واما من طرق أخرى عن أبي هريرة، فهي أحاديث صحيحة ثابتة، وافق فيها الثقات، فإذا كان عامة ما يرويه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن عبد الله بن الفضل بهذا الإسناد أحاديث مستقيمة، قد تابعه فيها الثقات، فلا غرو بعد ذلك أن ينفرد عن ابن الفضل بحديث أو حديثين، فهذا مما لا يضره تفرده به، لا سيما وقد روي البخاري حديثه هذا من حديث عبد الله بن زيد في صحيحه (١٥٨) مما يشهد له بصحته، وأن ابن ثوبان قد حفظه عن ابن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة.

فإن قيل: ابن ثوبان من الغرباء، وقد تفرد بهذا الحديث عن أهل المدينة، فيقال: قد مكث ابن ثوبان مدة في المدينة حمل فيها علم أهلها وضبطه -إلا ما قُدح فيه-، فهذا ابن حبان يقول عنه في مشاهير علماء الأمصار (١٤٤٠): "من صالحي أهل الشام ممن صحب نافعًا زمانًا، وكان ثبتًا، قد عمَّر"، كذلك قد ثبت سماعه من ابن الفضل في أحاديثه التي رواها عنه، وأثبته له البخاري في تاريخه (٥/ ٢٦٥).

وابن ثوبان وإن كان قد ضعفه جماعة وليَّنه آخرون، فإن بعض المتعنتين في الرجال قد وثقه، فهذا هو أبو حاتم الرازي، وهو معروف بتشدده في التوثيق حتى لا يكاد يطلق لفظ الثقة إلا علي الثقة الثبت، بل قد يقول فيه: صدوق، كما قال في الإمام مسلم، وهو هنا في ابن ثوبان يقول: "ثقة؛ يشوبه شيء من القدر، وتغير عقله في آخر حياته، وهو مستقيم الحديث" [الجرح (٥/ ٢١٩)].

وهذا يدل على أنه اعتبر حديثه فوجده في الغالب مستقيمًا، وإلا فإن له مناكير، كما قال أحمد وغيره، لكن توثيق أبي حاتم هذا لابن ثوبان واعتباره لحديثه، وكذلك ابن حبان وغيرهما، إذا ضم إلى بقية القرائن يجعل النفس تطمئن إلى ثبوت حديثه.

كذلك فإن عمرو بن علي الفلاس قد ضعف حديث أهل الشام إلا نفرًا ذكرهم، وعد فيهم ابن ثوبان، فإذا نظرت فيمن قُرن بهم ابن ثوبان علمت فضله ومكانته وصحة حديثه في الجملة؛ فقد قرنه الفلاس بأئمة الحديث في الشام: الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وعبد الله بن العلاء وثور بن يزيد وبرد بن سنان [انظر: الكامل لابن عدي (٤/ ٢٨١)].

وآخر القرائن الدالة على ثبوت حديثه هذا؛ أن البخاري لما ذكر في تاريخه (٦/ ٤٥٦) أحد الأسانيد المروية عن أبي هريرة في حديث صفة الوضوء أعلها، وختمها بذكر الصحيح منها، ثم قال بعدُ: "وقال الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: توضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين مرتين"، وسكت، وفي هذا الصنيع من البخاري ما يدل على ثبوت الحديث عن الأعرج، وصحة الإسناد إليه، وإلا لذكره ولم يحذفه، وأن الثابت عند البخاري في حديث أبي هريرة ذكر الوضوء مرتين مرتين، وعدم صحة رواية الثلاث التي بدأ بذكرها، والله أعلم. [وانظر: مسائل أبي داود (١٩١٢)].

وأما قول الترمذي: "حسن غريب" فإنه معارض بقوله بعده: "إسناد حسن صحيح".

وفي الجملة: فإن الحديث حسن؛ وله شاهد صحيح من حديث عبد الله بن زيد تقدم تحت الحديث رقم (١١٩).

***

<<  <  ج: ص:  >  >>