للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبي هريرة؟ فقال: كان موالي يبعثوني يوم الجمعة آخذ لهم مكانا عند المنبر، فكان أبو هريرة يجيء قبل الصلاة، فيحدِّث الناسَ، فكنت أسمع، فقال أحمد بن حنبل: ما أرى بحديثه بأسًا؛ يعني: ثابتا، وهو ابن عياض، ويحدث عنه عبيد الله ومالك وزياد.

وهذا الحديث قد أخرجه مسلم في صحيحه (١٤٣٢/ ١٠٧) عن ابن أبي عمر العدني عن ابن عيينة به، بدون القصة التي في آخره، وهي قصة ثابتة؛ راويها عن الحميدي عند أبي عوانة هو: أبو إسماعيل الترمذي محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي: ثقة حافظ.

• وأما ما روي عن مالك وغيره من أهل العلم ممن كان يتحلق قبل صلاة الجمعة، فإنه محمول على أن النهي لم يبلغهم، والله أعلم [انظر: المدونة (١/ ١٤٨)].

• قال الخطيب: "وهذا الحديث يتفرد بروايته عمرو بن شعيب، ولم يتابعه أحد عليه، وفي الاحتجاج به مقال، فيحتمل أن يكون يحيى بن سعيد ومن وافقه تركوا العمل به لذلك، أو يكون النهي مصروفا إلى من قارب من الإمام، خوفا أن يشغل عن سماع الخطبة، فأما من بعُد منه بحيث لا يبلغه صوته فتجوز له المذاكرة بالعلم في وقت الخطبة، والله أعلم".

وقال في الفقيه والمتفقه: "هذا الحديث محمول على أن تكون الحلقة بقرب الإمام بحيث يشغل الكلام فيها عن استماع الخطبة، فأما إذا كان المسجد واسعًا والحلقة بعيدة من الإمام بحيث لا يدركها صوته فلا بأس بذلك، وقد رأيت كافة شيوخنا من الفقهاء والمحدثين يفعلونه، وجاء مثله عن عدة من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم -".

قلت: قد ثبت حديث عمرو بن شعيب هذا، ولم ينكره أحد من العلماء، وتقدم الكلام على من صحح الحديث أو احتج به، وأما التحلق أثناء الخطبة لاستماع درس: قول شاذ، بل منكر، وسيأتي بيان الصحيح في كلام ابن قدامة في آخر ما نقلته من كلام الأئمة في معنى الحديث.

ثم أسند الخطيب في الجامع إلى أبي زكريا يحيى بن معين، قال: "رأيت يحيى بن سعيد القطان ومعاذ بن معاذ وحماد بن مسعدة يتحلقون يوم الجمعة قبل الصلاة، ومعهم نحو من ثلاثين رجلًا يتحدثون، والناس يصلون، ومعاذ يحدث، فإذا فرغ من الحديث، قال ليحيى: أليس هكذا يا أبا سعيد؟ فيقول له: نعم، وما يصلون البتة حتى تقام الصلاة، قال أبو زكريا: وكان حفص بن غياث وأصحابه يتحلقون أيضًا يوم الجمعة قبل الصلاة، فقال له سفيان الثوري زعموا: ما فعلت حلقتكم يا أبا عمر؟ قال: هي على حالتها".

قلت: لا حجة في قول أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يثبت عن أحد من الصحابة التحلق قبل الجمعة ولا أثناءها لسماع حديث أو موعظة، وإنما الذي ثبت عن بعض الصحابة: إما التحديث قبل الجمعة، ولا يلزم منه تحلق الناس حولهم، وقصة ثابت بن عياض السابق ذكرها تدل على أنه كان كلامًا يسيرًا، يحدث فيه بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحياءً للسنن التي أماتها أمراء بني أمية، ونحو ذلك، وإما أن ذلك كان من بعضهم على

<<  <  ج: ص:  >  >>