قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به: يحيى بن السكن البصري، وهو: ضعيف، يتفرد عن كبار الثقات بما لا يتابع عليه [راجع ترجمته تحت الحديث رقم (٧٨٢)، الطريق رقم (١٣)].
وأما متابعة مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، التي ذكرت في كلام ابن حجر، حيث قال في النكت الظراف (٦/ ٢٨٠/ ٨٦٠٦): "وصله علي بن سعيد في أسئلته لأحمد بن حنبل، قال: سألته عن صلاة التسبيح؟ فقال: لا يصح فيها عندي شيء.
فقلت: حديث عبد الله بن عمرو؟ قال: يروى عن عمرو بن مالك! قلت: قد رواه المستمر بن الريان، قال: من حدثك؟ قلت: مسلم - يعني: ابن إبراهيم -، فقال: المستمر: شيخ ثقة، وكأنه أعجبه" [وتقدم نقله].
قلت: علي بن سعيد بن جرير النسائي: صدوق، مكثر مشهور، له رحلة، من جلساء أحمد، قال أبو بكر الخلال:"كبير القدر، صاحب حديث، كان يناظر أبا عبد الله مناظرة شافية، روى عن أبي عبد الله جزأين مسائل، وقد كنت تعبت فيها سمعت بعضها بنزول" [طبقات الحنابلة (٢/ ١٢٦/ ٣١٢)، تاريخ دمشق (٤١/ ٥١٢)، التهذيب (٣/ ١٦٤)].
قلت: لو كان هذا الحديث محفوظًا عن مسلم بن إبراهيم، عن المستمر بن الريان، عن أبي الجوزاء، عن عبد الله بن عمرو؛ لكان أقوى إسنادًا، وأشهر رجالًا؛ من إسناد موسى بن عبد العزيز، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس [وذلك خلافًا لما ذهب إليه مسلم وأبو داود]، ومن ثم لاشتهر مثل اشتهاره، أو أكثر، ولدونته صحف المحدثين وكتب المصنفين، ولأخرجوه في مصنفاتهم وسننهم وصحاحهم وجوامعهم ومسانيدهم ومعاجمهم وأجزائهم.
ولو كان ثابتًا عند أبي داود لوصله في سننه لنظافة إسناده، وثقة رجاله وشهرتهم، فهو أقوى إسنادًا من إسناد عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء.
ثم كيف يتفرد به علي بن سعيد النسائي عن مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، دون بقية أصحابه الثقات على كثرتهم، ومسلم الفراهيدي أكبر شيخ لأبي داود، وقد أكثر عنه في سننه، فكيف فاته حديثه هذا، وهو فائدة، ولو فاته بعلو لأدركه بنزول، ثم لا يجد الخطيب البغدادي أن يسنده إلى المستمر عن أبي الجوزاء؛ إلا من طريق يحيى بن السكن، ولا يخفى عليه أمر ابن السكن؛ فلو وجده موصولًا من طريق مسلم بن إبراهيم لما عدل عنه، فدل ذلك على الغرابة الشديدة لحديث مسلم هذا، لعدم اشتهاره بين أصحابه، وعدم تناقله بين أهل الأمصار، وإعراض المصنفين عن إخراجه في مصنفاتهم، والله أعلم.
ثم إن هذه الرواية التي اعتمد عليها ابن حجر لكي يقرر بها رجوع أحمد عن تضعيف حديث التسبيح معارضة برواية جماعة من أصحاب أحمد ممن هم أشهر من علي بن سعيد وأكثر منه ملازمة لأحمد، مثل: ابنه عبد الله، وابن هانئ، والكوسج، ومهنا الشامي، وأبي الحارث، حيث نقلوا عن أحمد قوله بأن صلاة التسبيح لم يثبت عنده فيها حديث [وسيأتي نقل الروايات عن أحمد في آخر الباب]، فانتقض الاحتجاج بهذه الرواية على ثبوت الحديث، والله أعلم.