وقد تقدم في الموضع المشار إليه الكلام عن فقه المسألة، مع جمع أحاديث الباب، والكلام عليها، والله أعلم.
ومما لم أذكره هناك:
قال ابن أبي حاتم في العلل (٢٢٤): "وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يعقوب الأشعري، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان إذا صلى المغرب، صلى ركعتين يطيلهما حتى يصَّدَّع أهلُ المسجد؟
قال أبي: حكي عن يعقوب الأشعري أنه قال: هذه الأحاديث التي أحدثكم به عن جعفر عن سعيد، كلها عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن كان هذا الذي حكي حق، فهو صحيح، وإن لم يكن حق، فهو عن سعيد قوله.
وقال أبو زرعة: هذا عندي: عن سعيد قوله؛ لأنه محال أن يكون هذه الأحاديث كلها عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قريب من أربعين حديثًا أو أكثر".
قلت: قد بيَّنت في الموضع السابق من الجزء الحادي عشر من فضل الرحيم الودود [الحديث رقم (١٠٤٤)] أن هذه المقولة لا تثبت؛ لكونها من رواية محمد بن حميد الرازي، وقلت هناك: المحفوظ هو المرسل؛ فإن من أرسله أثبت وأحفظ ممن وصله، وأما ما نقله أبو داود في أن كل ما أرسله يعقوب عن جعفر عن سعيد، فهو مسند عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا حجة فيه؛ لأنه من رواية محمد بن حميد الرازي، وهو وإن كان موصوفًا بالحفظ؛ إلا أنه قد أجمع أهل بلده على ضعفه، وكذبه بعضهم، وهو كثير المناكير.
° ومما يؤكد ما ذهبت إليه من كون المحفوظ في هذا الحديث مرسلاً:
ما أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب قيام الليل (٨٥ - مختصره)، قال: حدثنا إسحاق [يعني: ابن راهويه، وهو: ثقة حافظ]: أخبرنا جرير [يعني: ابن عبد الحميد الضبي، وهو: ثقة]، عن أشعث بن إسحاق القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الركعتين بعد المغرب، ويطيلهما حتى يكون آخر من يخرج من المسجد.
قال محمد بن نصر رَحِمه اللهُ:"وهذا منقطع، والأحاديث الأخر أنه كان يصلي الركعتين بعد المغرب في بيته: أثبت من هذا، ولعله أن يكون قد فعل هذا مرة".
قلت: وهذا إسناد صحيح إلى جعفر بن أبي المغيرة، وأشعث بن إسحاق القمي: ثقة، قال أحمد:"أشعث بن إسحاق القمي: أقصد حديثاً من يعقوب القمي"، وقال ابن معين في سؤالات ابن محرز:"أشعث القمي عن جعفر أحب إليَّ من يعقوب عن جعفر، ويعقوب: ثقة" [العلل ومعرفة الرجال (٣/ ٢٥٥/ ٥١٢٦)، سؤالات ابن محرز (١/ ١١٠/ ٥٢٠)].