وإبراهيم بن بشير المكي: قال الدارقطني: "ضعيف" [ضعفاء الدارقطني (٢٨)، اللسان (١/ ٢٥١)]، وجعفر بن محمد بن عبد الله بن بشر بن كُزال، أبو الفضل السمسار: وثقه مسلمة بن قاسم، وقال الدارقطني:"ليس بالقوي" [سؤالات الحاكم (٧١)، تاريخ بغداد (٧/ ١٨٩)، تاريخ الإسلام (٢/ ١٤١)، اللسان (٢/ ١٥٨)].
* والحاصل من هذا الاختلاف على محمد بن المنكدر:
أن المحفوظ فيه: ما رواه مالك بن أنس، عن محمد بن المنكدر، عن سعيد بن جبير، عن رجل عنده رِضًا؛ عن عائشة؛ إذ هو أحفظ وأضبط وأجل من روى هذا الحديث عن ابن المنكدر، ثم إنه زاد في الإسناد رجلًا؛ والحكم لمن زاد.
وظاهر هذا الإسناد الضعف؛ لأجل الرجل المبهم؛ لكن إخراج مالك لهذا الحديث في موطئه، وتقديمه له في الباب على أحاديث متفق عليها، مما يقوي أمره، ويبدو أن مالكًا اعتمد تعديل سعيد بن جبير لشيخه المبهم، لا سيما وسعيد بن جبير إمام حجة، ومما يدل على انتقائه للرجال؛ قول يحيى بن سعيد القطان:"مرسلات سعيد بن جبير: أحب إفي من مرسلات عطاء"؛ يعني: أنه أشد انتقاءً للرجال من عطاء، بدليل قول ابن المديني:"مرسلات مجاهد: أحب إليَّ من مرسلات عطاء بكثير، كان عطاء يأخذ عن كل ضرب"، بل لما سئل يحيى بن سعيد عن مرسلات مالك؟ قال:"هي أحب إليَّ"، ثم قال:"ليس في القوم أصح حديثًا من مالك" [التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة (١/ ٢١٣/ ٦٠٧)، المراسيل (٤ و ٥ و ١١)، الجرح والتعديل (١/ ٢٤٤)]، وهذا وغيره مما سبق أن ذكرناه في مواضع في ترجمة مالك وانتقائه لأحاديث الموطأ، مما يقوي هذا الحديث عند مالك نفسه، وأنه قد احتج به في بابه، فلم نعد نعتمد هنا على كون هذا المبهم لم يزكه سوى الراوي عنه، وهو سعيد بن جبير؛ بل انضم إليه مالكٌ في تزكيته تزكية ضمنية؛ بإخراجه هذا الحديث له في موطئه، وهذا الرجل وإن كان مبهمًا إِلَّا أنه داخل في عموم توثيق مالك لرجال موطئه؛ فإن من أخرج له مالك في موطئه فهو ثقة عنده، وقد كان مالك من أشد الناس انتقادًا للرجال، فقد سأل بشر بن عمر الزهراني مالك بن أنس عن رجل، فقال:"هل رأيته في كتبي؟ "، قال: لا، قال:"لو كان ثقةً لرأيته في كتبي"، وفي رواية:"أترى في كتبي عنه شيئًا؟ لو كنتُ أرضاه رأيتَ في كتبي عنه"، وقد سبق تقرير هذا القول، ونقل كلام أهل العلم فيه تحت شواهد الحديث السابق برقم (٦٢٣).
ومما يؤيد تقوية هذا المبهم وتوثيقه أيضًا، واعتماد تزكية سعيد بن جبير له، أن الإمام أحمد لما سئل عن: ما روى سعيد بن جبير عن عائشة، أهو على السماع؟ قال:"لا أُراه سمع منها، عن الثقة عن عائشة - رضي الله عنها -" [العلل ومعرفة الرجال (٣/ ٢٨٤/ ٥٢٦١)]، فنعته أحمد بالثقة، مع كونه مبهمًا، فاجتمع حينئذ في تزكية هذا المبهم وتوثيقه: ثلاثة؛ الراوي عنه سعيد بن جبير، وقبل تزكيته واعتبرها توثيقًا له: مالك وأحمد، وقد وجدت له شاهدًا صحيحًا موقوفًا على أبي الدرداء أو أبي ذر؛ وذلك مما يجعل النفس تطمئن لثبوته، واللّه أعلم.