للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذهب الطحاوي إلى القول بأن سعيد بن جبير قد وافق علي بن عبد الله بن عباس في التسع التي منها الوتر، وزاد عليه ركعتين بعد الوتر.

قلت: قبل الكلام عن الجمع بين طرق حديث ابن عباس في قصة مبيته عند خالته

ميمونة ليرقب صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار كون ابن عباس هو حبر هذه الأمة في التفسير، وكان يقال له: ترجمان القرآن، وما من آية في القرآن إلا وتجد عنه فيها قولًا منقولًا، والقرآن قد قص الله عز وجل علينا فيه من القصص والعبر من خبر الأمم السابقة لا سيما قصة موسى مع قومه، وقصته مع فرعون، وقد تصرفت هذه القصة في القرآن على وجوه شتى بحسب سياق السورة وما تعالجه من قضايا عقدية أو اجتماعية؛ ويبدو أن ابن عباس قد تأثر بالسياق القرآني لسرد الأحداث، وتجد ذلك واضحًا جدًّا في هذا الحديث على وجه الخصوص، لا سيما وأن ابن عباس قد تحمل هذه الواقعة وكان إذ ذاك صغيرًا [جاء في رواية رشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقمت إلى جنبه عن يساره، فأخذني فأقامني عن يمينه، قال: وقال ابن عباس: وأنا يومئذ ابن عشر سنين، ورشدين بن كريب: ضعفوه، لكن حديثه هذا ليس بالمنكر، ويأتي تخريجه تحت الحديث رقم (١٣٦٧). وقد أخرج البخاري (٥٠٣٥) من طريق: أبي بشر، عن سعيد بن جبير، قال: إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم، قال: وقال ابن عباس: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم. وقد صح عن شعبة، عن أبي إسحاق السبيعي، أنه قال: سمعت سعيد بن جبير، يحدث عن ابن عباس، قال: توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن خمس عشرة سنة، وأنا ختين. أخرجه الطيالسي (٢٧٦٢)، وأحمد (١/ ٣٧٣)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (٣٧٢ و ٣٧٣)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (٣/ ٣٢٦/ ٢٠٠٣)، وغيرهم. وهذا يوافق ما رواه الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: أقبلتُ راكبًا على أتانٍ، وأنا يومئذٍ قد ناهزتُ الاحتلامَ، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى،. . . الحديث، متفق عليه، وتقدم في فضل الرحيم (٨/ ٦٧/ ٧١٥)؛ وإليه مال أحمد، انظر: العلل ومعرفة الرجال (١٧١٠ - ١٧٢٣)، صحيح البخاري (٦٢٩٩ و ٦٣٠٠)، والله أعلم].

فلما كبر ابن عباس وصار يحدث أصحابه بهذه القصة تصرف في حكايتها وترتيب أحداثها، فقدَّم وأخَّر، واختصر وطوَّل، وحذف بعض الوقائع أحيانًا؛ بحسب ما اقتضاه الأمر عند ابن عباس حين حدث كل صاحب له بهذه القصة، وقد يكون بين هذه الواقعة وبين تحديث ابن عباس بها ما يقرب أحيانًا من خمسين سنة، أو يزيد!

وعلى هذا يمكن الجمع بين رواية سعيد بن جبير ورواية غيره عن ابن عباس: بأن ابن عباس لم يذكر لسعيد راتبة العشاء التي كان يصليها النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته إذا دخل، وذكرها لغيره [كما في حديث سليمان بن بلال عن شريك عن كريب، وقد تقدم برقم (١٣٥٥)، وفيه: بت ليلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما انصرف من العشاء الآخرة انصرفت معه، فلما دخل

<<  <  ج: ص:  >  >>