وقال في موضع آخر (٢/ ٢٢١): "ومن ادعى أن سفيان أخطأ في هذا الحديث فهو المخطئ بدعواه ما لا دليل عليه، فإن قيل: قد خالفه زهير بن معاوية، قلنا: سفيان أحفظ من زهير، ولو لم يكن لما كان في خلاف بعض الرواة لبعض دليل على خطأ أحدهم، بل الثقة مصدق في كل ما يروي، وبالله تعالى التوفيق".
وقد رد على ابن حزم في هذا: ابن مفوز فقال: "وهذا كله: تصحيح للخطأ الفاسد بالخطأ البين.
أما حديث أبي إسحاق من رواية الثوري وغيره: فأجمع من تقدم من المحدثين ومن تأخر منهم أنه خطأ؛ منذ زمان أبي إسحاق إلى اليوم، وعلى ذلك تلقوه منه وحملوه عنه، وهو أول حديث أو ثان مما ذكره مسلم في كتاب التمييز له، مما حمل من الحديث على الخطأ، وذلك أن عبد الرحمن بن يزيد وإبراهيم النخعي -وأين يقع أبو إسحاق من أحدهما، فكيف باجتماعهما على مخالفته- رويا الحديث بعينه عن الأسود بن يزيد عن عائشة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان جنبًا فأراد أن ينام توضأ وضوءه للصلاة، فحكم الأئمة برواية هذين الفقيهين الجليلين عن الأسود على رواية أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة: أنه كان ينام ولا يمس ماءً، ثم عضدوا ذلك برواية عروة، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الله بن أبي قيس، عن عائشة، وبفتوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بذلك حين استفتاه.
وبعض المتأخرين من الفقهاء الذين لا يعتبرون الأسانيد ولا ينظرون الطرق يجمعون بينهما بالتأويل، فيقولون: لا يمس ماءً للغسل، ولا يصح هذا، وفقهاء المحدثين وحفاظهم على ما أعلمتك.
وأما الحديث الذي نسبه إلى رواية زهير عن أبي إسحاق، فقال فيه: "وإن نام جنبًا توضأ"، وحكى أن قومًا ادعوا فيه الخطأ والاختصار، ثم صححه هو، فإنما عنى بذلك أحمد بن محمد الأزدي [يعني: أبا جعفر الطحاوي]، فهو الذي رواه بهذا اللفظ، وهو الذي ادعى فيه الاختصار، وروايته خطأ، ودعواه سهو وغفلة، ورواية زهير عن أبي إسحاق: كرواية الثوري وغيره عن أبي إسحاق في هذا المعنى، وحديث زهير أتم سياقة، وقد روى مسلم الحديث بكماله في كتاب الصلاة، وقال فيه: "وإن لم يكن جنبًا توضأ للصلاة"، وأسقط منه وهم أبي إسحاق، وهو قوله: "ثم بنام قبل أن يمس ماءً"، فأخطأ فيه بعض النقلة، فقال: "وإن نام جنبًا توضأ للصلاة"، فعمد ابن حزم إلى هذا الخطأ الحادث على زهير فصححه.
وقد كان صحح خطأ أبي إسحاق القديم، فصحح خطأين متضادين، وجمع بين غلطين متنافرين" انتهى كلام ابن مفوز، نقلًا من تهذيب السنن لابن القيم (١/ ١٥٤ و ١٥٥).
وقال البيهقي: "أخرجه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى، وأحمد بن يونس، دون قوله: قبل أن يمس ماءً، وذلك لأن الحفاظ طعنوا في هذه اللفظة، وتوهموها مأخوذة من غير الأسود، وأن أبا إسحاق ربما دلس، فرأوها من تدليساته، واحتجوا على ذلك