المسألة الثانية هي: هل يجوز ويقع التكليف بما عَلِمَ الآمرُ وحدَه أو الآمرُ والمأكورُ معًا أن المكلَّف لا يتمكَّن من فعله؟ والتحقيق الجواز، أما في علم الآمر وحده دون المأمور أنَّه لا يتمكن من فعله، فالتكليف به لحكمة الابتلاء واضح لا إشكال فيه، فاللَّه كلف إبراهيم بذبح ولده مع علمه أن إبراهيم لا يتمكن من ذبح ولده لحكمة الابتلاء، كما نصَّ عليه بقوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦)}.
ومن فروع هذا الأصل المختلف فيه: من أفطرتْ عمدًا في نهار رمضان ثم حاضت في ذلك اليوم بعينه تلزمها الكفارة بناءً على التكليف بما عَلِم الآمرُ أن المكلف لا يتمكن من فعله لحكمة الابتلاء، ولا كفارة عليها على القول الآخر. وأما مع عِلْم الآمر والمأمور معًا أنَّه لا يتمكن من الفعل، كما لو فرضنا أن نبيًّا أخبر امرأة بأنها تحيض في اليوم الفلاني من رمضان، فهل عليها افتتاح صومه بناءً على جواز التكليف بما عَلِمَ الآمرُ والمأمورُ معًا أنَّه لا يتمكن من فعله، أوْ لا بناءً على القول الآخر؟
فإن قيل: إذا عَلِم المأمورُ انتفاء شرط الوقوع انتفت الفائدة التي هي العزم على الامتثال.
فالجواب: أنَّها موجودة على تقدير وجود الشرط، ويدل لهذا الحديثُ الصحيح:"إنَّ بالمدينةِ أقوامًا ما قطعتم واديًا إلَّا وهم معكم. . . "(١)؛
(١) أخرجه البخاري رقم (٢٨٣٩) من حديث أنس، ومسلم رقم (١٩١١) من حديث جابر -رضي اللَّه عنهما-.