حَتَّى قَالُوا: لَوْ قَهَرَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً فَوَطِئَهَا أَوْ طَاوَعَتْهُ وَاعْتَقَدَاهُ نِكَاحًا أُقِرَّا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَوْنَ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَى مَقْصُودِ الْعَقْدِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُسْلِمُ دُونَ الْكَافِرِ، إنَّمَا اخْتَصَّ الْمُسْلِمُ بِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ فِي النِّكَاحِ أَنْ يُمَيِّزَ عَنْ السِّفَاحِ، كَمَا قَالَ: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: ٥] ، فَأَمَرَ بِالْوَالِي وَالشُّهُودِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي تَمَيُّزِهِ عَنْ السِّفَاحِ وَصِيَانَةِ النِّسَاءِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْبَغَايَا، حَتَّى شُرِعَ الصَّوْتُ بِالدُّفِّ وَالْوَلِيمَةِ الْمُوجِبَةِ لِشُهْرَتِهِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ: «الْمَرْأَةُ لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الْبَغِيَّ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا» . وَأَمَرَ فِيهِ بِالْإِشْهَادِ أَوْ بِالْإِعْلَانِ أَوْ بِهِمَا جَمِيعًا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: هِيَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِشْهَادِ عَلَّلَهُ بِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الْإِعْلَانُ الْمُمَيِّزُ لَهُ عَنْ السِّفَاحِ، وَبِأَنَّهُ يَحْفَظُ النَّسَبَ عَنْ التَّجَاحُدِ.
فَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ فِي الْكِتَابِ وَالْآثَارِ حُكْمُهَا بَيَّنَهُ، فَأَمَّا الْتِزَامُ لَفْظٍ خَاصٍّ فَلَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا تَعَلُّقٌ.
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ الْجَامِعَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ أَنَّ الْعُقُودَ تَصِحُّ بِكُلِّ مَا دَلَّ عَلَى مَقْصُودِهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، هِيَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهَا أُصُولُ الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ الَّتِي تَعْرِفُهَا الْقُلُوبُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] .
وَقَالَ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] ، وَقَالَ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] . وَقَالَ: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ} [النساء: ٤] . وَقَالَ: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] . وَقَالَ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] .
وَقَالَ: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢] إلَى قَوْلِهِ: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] إلَى قَوْلِهِ: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] . وَقَالَ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: ٢٤٥]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute