للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ خَيْبَرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَمَا دَفَعَ إلَيْهِمْ بَذْرًا، وَكَمَا عَامَلَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَنْصَارَ عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَكِيمٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ فَأَعْطَاهُ الْعِنَبَ وَالنَّخْلَ عَلَى أَنَّ لِعُمَرَ الثُّلُثَانِ وَلَهُمْ الثُّلُثُ، وَأَعْطَاهُ الْبَيَاضَ إنْ كَانَ الْبَقَرُ وَالْبَذْرُ وَالْحَدِيدُ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ فَلِعُمَرَ الثُّلُثَانِ وَلَهُمْ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ فَلِعُمَرَ الشَّطْرُ وَلَهُمْ الشَّطْرُ، فَهَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ عَامِلُهُ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَمِلَ خِلَافَهُ بِتَجْوِيزِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ، أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الْعَامِلِ.

وَقَالَ حَرْبٌ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ حُضَيْرٍ عَنْ صَخْرِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ خَلِيعٍ الْمُحَارِبِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: إنَّ فُلَانًا أَخَذَ أَرْضًا فَعَمِلَ فِيهَا وَفَعَلَ فِيهَا، فَدَعَاهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْأَرْضُ الَّتِي أَخَذْت، قَالَ: أَرْضٌ أَخَذْتهَا أُكْرِيَ أَنْهَارَهَا، وَأَعْمُرُهَا، وَأَزْرَعُهَا، فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَلِي النِّصْفُ وَلَهُ النِّصْفُ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَذَا.

فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ عِنْدِهِ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَيَكْفِي إطْلَاقُ سُؤَالِهِ وَإِطْلَاقُ عَلِيٍّ الْجَوَابَ.

وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ نَوْعٌ مِنْ الشَّرِكَةِ لَيْسَتْ مِنْ الْإِجَارَةِ الْخَاصَّةِ وَإِنْ جُعِلَتْ إجَارَةً؛ فَهِيَ مِنْ الْإِجَارَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الْجَعَالَةُ وَالسَّبْقُ وَالرَّمْيُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَذْرَ فِي الْمُزَارَعَةِ لَيْسَ مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي يَرْجِعُ إلَى رَبِّهَا كَالثَّمَنِ فِي الْمُضَارَبَةِ، بَلْ الْبَذْرُ يَتْلَفُ كَمَا تَتْلَفُ الْمَنَافِعُ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْأَرْضُ أَوْ بَدَنُ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ، فَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ، لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَرْجِعَ مِثْلُهُ إلَى مَخْرَجِهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ يَشْتَرِكَانِ فِي جَمِيعِ الزَّرْعِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْأُصُولَ فِيهَا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ هِيَ الْأَرْضُ بِمَائِهَا وَهَوَائِهِمْ وَبَدَنِ الْعَامِلِ وَالْبَقَرِ، وَأَكْثَرُ الْحَرْثِ وَالْبَذْرِ يَذْهَبُ كَمَا تَذْهَبُ الْمَنَافِعُ وَكَمَا يَذْهَبُ أَجْزَاءٌ مِنْ الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ وَالتُّرَابِ فَيَسْتَحِيلُ زَرْعًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَخْلُقُ الزَّرْعَ مِنْ نَفْسِ الْحَبِّ وَالتُّرَابِ وَالْمَاءِ وَالْهَوَاءِ، كَمَا يَخْلُقُ الْحَيَوَانَ مِنْ مَاءِ الْأَبَوَيْنِ، بَلْ مَا يَسْتَحِيلُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>