للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُسَافِرُ، ثُمَّ سَكَتَ سُكُوتًا طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ. أَوْ قَالَ: إلَى الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ. أَوْ قَالَ: وَلَا أَتَزَوَّجُ. أَوْ قَالَ: لَا أُسَافِرُ رَاجِلًا. لَمْ تَتَقَيَّدْ الْيَمِينُ بِذَلِكَ. وَلَوْ حَلَفَ مَرَّةً: لَا أُسَافِرُ، ثُمَّ حَلَفَ مَرَّةً ثَانِيَةً: لَا يُسَافِرُ رَاجِلًا. لَمْ تُقَيَّدْ الْيَمِينُ الْأُولَى بِقَيْدِ الثَّانِيَةِ. وَلَوْ قَالَ: لَا أُسَافِرُ رَاجِلًا. لَتَقَيَّدَتْ يَمِينُهُ بِذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ.

فَلَمَّا قَالَ هُنَا: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ: عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِذَوِي طَبَقَتِهِ: صَارَ الْمَعْنَى وَقَفْت وَقْفًا مُقَيَّدًا بِهَذَا الْقَيْدِ الْمُتَضَمِّنِ انْتِقَالَ نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى إلَى أَهْلِ طَبَقَتِهِ بِشَرْطِ عَدَمِ وَلَدِهِ. وَصَارَ مِثْلُ هَذَا أَنْ يَقُولَ: وَقَفْت عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَنَسْلِي وَعَقِبِي: عَلَى أَنَّ الْأَوْلَادَ يَسْتَحِقُّونَ هَذَا الْوَقْفَ بَعْدَ مَوْتِ آبَائِهِمْ. أَفَلَيْسَ كُلُّ فَقِيهٍ يُوجِبُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَوْلَادِ مَشْرُوطٌ بِمَوْتِ الْآبَاءِ؟ وَأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي اقْتَضَى التَّشْرِيكَ؟

وَيُوَضِّحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي قَدْ يُظَنُّ أَنَّهَا مِثْلُ هَذِهِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ، ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ: لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْمَسَاكِينِ شَيْءٌ حَتَّى يَمُوتَ الثَّلَاثَةُ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. فَلَوْ قَالَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ وَعُمَرَ وَبَكْرٍ، ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ: عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ الثَّلَاثَةِ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى الْآخَرَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِ الْوَقْفِ مِسْكِينٌ. أَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَسَاكِينِ أَحَدٌ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى الْآخَرَيْنِ. أَوْ يَقُولُ: عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ الثَّلَاثَةِ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى الْآخَرَيْنِ إنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ. أَوْ إنْ كَانَا مُقِيمَيْنِ بِبَلَدِ الْوَقْفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. أَفَلَيْسَ كُلُّ فَقِيهٍ؛ بَلْ كُلُّ عَاقِلٍ يَقْضِي بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَاقِينَ لِنَصِيبِ الْمُتَوَفَّى مَشْرُوطٌ بِهَذَا الشَّرْطِ؟ وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْكَلَامُ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا يَتِمُّ بِآخِرِهِ، وَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ الْكَلَامِ الْمُقَيَّدِ دُونَ مُطْلَقِهِ، وَهَذَا مِمَّا قَدْ اضْطَرَّ اللَّهُ الْعُقَلَاءَ إلَى مَعْرِفَتِهِ، إلَّا أَنْ يَحُولَ بَيْنَ الْبَصِيرَةِ وَبَيْنَ الْإِدْرَاكِ مَانِعٌ، فَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ. وَمَسْأَلَتُنَا أَوْضَحُ مِنْ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ.

وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِي، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَهُوَ عَدْلٌ انْتَقِلْ نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ. فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَقِلَ الْوَقْفُ إلَى الْوَلَدِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، وَسَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا فَمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>