للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَلَدِ. فَقَدْ أَرَادَ مِنَّا أَنْ نَفْهَمَ الْكَلَامَ الْمَقْلُوبَ، وَنَخْرُجَ عَنْ حُدُودِ الْعَقْلِ وَالْبَيَانِ؛ فَإِنَّ تَرْكَهُ لِرَفْعِ احْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَغَيْرِهِ فِيمَا هُوَ فِيهِ أَظْهَرُ، وَعُدُولُهُ عَنْ الْعِبَارَةِ الْمُحَقِّقَةِ لِنَفْيِ الِانْقِطَاعِ مُطْلَقًا بِلَا لَبْسٍ إلَى عِبَارَةٍ هِيَ فِي التَّقْيِيدِ أَظْهَرُ مِنْهَا فِي مُجَرَّدِ نَفْيِ انْقِطَاعِ بَعْضِ الصُّوَرِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ.

وَنَظِيرُ هَذَا رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَكْرِمْ زَيْدًا إنْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا فَأَكْرِمْهُ. وَكَانَ غَيْرَ صَالِحٍ فَلَمْ يُكْرِمْهُ الْغُلَامُ. فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: عَصَيْت أَمْرِي. أَلَمْ آمُرْك بِإِكْرَامِهِ؟ قَالَ: قَدْ قُلْت لِي: إنْ كَانَ صَالِحًا فَأَكْرِمْهُ، قَالَ: إنَّمَا قُلْت هَذَا، لِئَلَّا تَتَوَهَّمَ أَنِّي أَبْغَضُ الصَّالِحِينَ فَلَا تُكْرِمُهُ مَعَ صَلَاحِهِ، فَنَفَيْت احْتِمَالَ التَّخْصِيصِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. فَهَلْ يُقْبَلُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ عَاقِلٍ أَوْ يُنْسَبُ الْغُلَامُ إلَى تَفْرِيطٍ، أَوْ يَقُولُ لِلسَّيِّدِ: هَذِهِ الْعِبَارَةُ دَالَّةٌ عَلَى التَّخْصِيصِ وَلَوْ كُنْت مُثْبِتًا لِلتَّعْمِيمِ لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ تَقُولَ: أَكْرِمْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا؛ لِأَنَّ إكْرَامَ الصَّالِحِ يَصِيرُ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ؛ أَوْ أَكْرِمْهُ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا إنْ كَانَ حُبًّا لَك صَحِيحًا؟

وَكَذَا هُنَا يَقُولُ الْمُنَازِعُ: هُوَ نَقَلَهُ إلَى الطَّبَقَةِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. فَإِذَا قِيلَ لَهُ: فَلِمَ قَيَّدَ النَّقْلَ بِقَوْلِهِ: عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى الطَّبَقَةِ؟ قَالَ: لِيَنْفِيَ احْتِمَالَ الِانْقِطَاعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ دُونَ الصُّورَةِ الَّتِي هِيَ أَوْلَى بِنَفْيِ الِانْقِطَاعِ فِيهَا. فَيُقَالُ لَهُ: كَانَ الْكَلَامُ الْعَرَبِيُّ فِي مِثْلِ هَذَا: عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَإِنْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ. أَوْ يَقُولُ: عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ. فَيَأْتِي بِحَرْفِ الْعَطْفِ. أَمَّا إذَا قَالَ: عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ. فَهَذَا نَصٌّ فِي التَّقْيِيدِ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ، وَمَنْ تَوَهَّمَ غَيْرَ هَذَا أَوْ جَوَّزَهُ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ أَوْ جَوَّزَ لِعَاقِلٍ أَنْ يُجَوِّزَهُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ نِعْمَةِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى الْإِنْسَانِ حَيْثُ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ. وَمَا ظَنِّي أَنَّهُ لَوْ تُرِكَ وَفِطْرَتَهُ تُوُهِّمَ هَذَا وَلَكِنْ قَدْ يَعْرِضُ لِلْفِطَرِ آفَاتٌ تَصُدُّهَا عَنْ سَلَامَتِهَا، كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَنْفِي احْتِمَالًا بَعِيدًا بِإِثْبَاتِ احْتِمَالٍ أَظْهَرَ مِنْهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ لَكَانَ احْتِمَالُ الِانْقِطَاعِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، فَإِنَّهُ إمَّا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، أَوْ مَعْدُودٌ مِنْ الْوُجُوهِ السُّودِ. وَإِذَا ذُكِرَ الشَّرْطُ صَارَ احْتِمَالُ التَّقْيِيدِ وَتَرْتِيبُ التَّوْزِيعِ احْتِمَالًا قَوِيًّا؛ إمَّا ظَاهِرًا عِنْدَ الْمُنَازِعِ؛ أَوْ قَاطِعًا عِنْدَ غَيْرِهِ. فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>