للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحْمَلَ كَلَامُ الْوَاقِفِ عَلَى الْمَنْهَجِ الذَّمِيمِ دُونَ الطَّرِيقِ الْحَمِيدِ مَعَ إمْكَانِهِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَا يَتَفَطَّنُ لَهُ إلَّا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يُخْلَقْ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا مِنْ زَمَنٍ قَرِيبٍ، وَاحْتِمَالُ التَّقْيِيدِ أَمْرٌ لُغَوِيٌّ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ.

فَكَيْفَ يُحْمَلُ كَلَامُ وَاقِفٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الِاحْتِرَازِ مِنْ احْتِمَالٍ لَا يَخْطِرُ إلَّا بِقَلْبِ الْفَرْدِ مِنْ النَّاسِ بَعْدَ الْفَرْدِ.

وَلَعَلَّهُ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِ الْوَاقِفِ؛ دُونَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الِاحْتِرَازِ مِنْ احْتِمَالٍ قَائِمٍ بِقَلْبِ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ، أَوْ غَالِبِ الْمُتَكَلِّمِينَ: مُنْذُ عُلِّمَ آدَم الْبَيَانَ.

وَمِنْهَا أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا كَانَ قَصْدُهُ نَفْيَ احْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِقَوْلِهِ: عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ. أَيْضًا صَالِحٌ لَأَنْ يَكُونَ نَفَى بِهِ احْتِمَالَ الِانْقِطَاعِ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى، وَيَكُونُ نَفْيُ احْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِيهَا بِانْتِقَالِ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ إلَى وَلَدِهِ؛ فَإِنَّ هَذَا فِيهِ صَوْنُ هَذَا التَّقْيِيدِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَرَفْعٌ لِلِانْقِطَاعِ فِي الصُّورَتَيْنِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ حَمْلَ كَلَامِ الْوَاقِفِ عَلَى هَذَا أَحْسَنُ مِنْ جَعْلِهِ مُهْدَرًا مَبْتُورًا.

وَمِنْهَا: أَنَّ هَذَا الْمَقْصُودَ كَانَ حَاصِلًا عَلَى التَّمَامِ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ. فَزِيَادَةُ اللَّفْظِ وَنَقْصُ الْمَعْنَى خَطَأً لَا يَجُوزُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ عَلَيْهِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ.

وَمِنْهَا: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى أَوْلَادِي، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ. مُقْتَضٍ لِتَرْتِيبِ الْمَجْمُوعِ عَلَى الْمَجْمُوعِ، وَهَذَا الِاقْتِضَاءُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ وَصْلِ اللَّفْظِ بِمَا يُقَيِّدُهُ؛ فَإِنَّهُ إذَا وُصِلَ بِمَا يُقَيِّدُهُ وَيَقْتَضِي تَرْتِيبَ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ: مِثْلُ قَوْلِهِ: عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ. وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ كَانَ ذَلِكَ الِاقْتِضَاءُ مُنْتَفِيًا بِالِاتِّفَاقِ.

وَهَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ. ظَاهِرٌ فِي تَقْيِيدِ الِانْتِقَالِ بِعَدَمِ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا يَصْرِفُهُ مَنْ يَصْرِفُهُ عَنْ هَذَا الظُّهُورِ لِمُعَارَضَةِ الْأَوَّلِ لَهُ، وَشَرْطُ كَوْنِ الْأَوَّلِ دَلِيلًا عَدَمُ الصِّلَةِ الْمُغَيِّرَةِ، فَيَدُورُ الْأَمْرُ فَتَبْطُلُ الدَّلَالَةُ. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ كَوْنُ الْأَوَّلِ مُقْتَضِيًا لِتَرْتِيبِ الْمَجْمُوعِ إلَّا مَعَ الِانْقِطَاعِ عَنْ الْمُغَيِّرِ، وَلَا يَثْبُتُ هُنَا الِانْقِطَاعُ عَنْ الْمُغَيِّرِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّغْيِيرِ؛ بَلْ عَلَى مَعْنًى آخَرَ.

وَلَا تَثْبُتُ دَلَالَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى حَتَّى يَثْبُت أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ دَلِيلٌ عَلَى تَرْتِيبِ الْمَجْمُوعِ. وَهَذَا هُوَ الدَّوْرُ، وَهُوَ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَطْلُوبَ مُقَدَّمَةً فِي إثْبَاتِ نَفْسِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>