للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الِاقْتِضَاءُ مَانِعًا مِنْ النَّقِيضِ أَوْ غَيْرَ مَانِعٍ. فَإِذَا حَمَلْت هَذَا اللَّفْظَ عَلَى الْبَيَانِ كُنْت قَدْ وَفَّيْت الْمُقْتَضَى حَقَّهُ مِنْ الِاقْتِضَاءِ وَصُنْت الْكَلَامَ الَّذِي يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ عَنْ الْإِهْدَارِ وَالْإِلْغَاءِ. فَأَيْنَ هَذَا مِمَّنْ يَأْخُذُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ أَوَّلُ اللَّفْظِ وَيُهْدِرُ آخِرَهُ؛ وَيَنْسِبُ الْمُتَكَلِّمَ بِهِ إلَى الْعِيِّ وَاللَّغْوِ.

وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى أَنَّهُ مِنْ صِيَغِ الِاشْتِرَاطِ، وَالتَّقْيِيدِ وَالشَّرْطِ إنَّمَا يَكُونُ لِمَا يَحْتَمِلُهُ الْعَقْدُ؛ مَعَ أَنَّ إطْلَاقَهُ لَا يَقْتَضِيه. بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: بِعْت، وَاشْتَرَيْت، لَا يَقْتَضِي أَجَلًا، وَلَا رَهْنًا، وَلَا ضَمِينًا وَلَا نَقْدًا غَيْرَ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَلَا صِفَةً زَائِدَةً فِي الْمَبِيعِ؛ لَكِنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ صَالِحٌ لِهَذَا وَلِهَذَا؛ لَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْفِي هَذِهِ الْأَشْرَاءِ: فَإِنَّ اللَّفْظَ لَا يُوجِبُهَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا. فَمَتَى قَالَ: عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي بِهِ كَذَا كَانَ هَذَا تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: بِعْتُك بِأَلْفٍ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: بِأَلْفٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِرَهْنٍ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِذَوِي طَبَقَتِهِ. دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ لَمْ يَكُنْ نَصِيبُهُ لِذَوِي طَبَقَتِهِ. وَهَذِهِ دَلَالَةُ الْمَفْهُومِ؛ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَقْرِيرِهَا؛ لَكِنْ نَذْكُرُ هُنَا نُكَتًا تُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ.

أَحَدُهَا: أَنَّ الْقَوْلَ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا: مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنْبَلِيَّةِ؛ بَلْ هُوَ نَصُّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ طَوَائِفُ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ مَعَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ. فَيَجِبُ أَنْ يُضَافَ إلَى مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ مَا يُوَافِقُ أُصُولَهُمْ. فَمَنْ نَسَبَ خِلَافَ هَذَا الْقَوْلِ إلَى مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ كَانَ مُخْطِئًا. وَإِنْ كَانَ بِمَا يَتَكَلَّمُ بِهِ مُجْتَهِدًا فَيَجِبُ أَنْ يَحْتَوِيَ عَلَى أَدَوَاتِ الِاجْتِهَادِ. وَمِمَّا يَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبَ ظَنُّ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ حُجَّةٌ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ دُونَ كَلَامِ النَّاسِ: بِمَنْزِلَةِ الْقِيَاسِ. وَهَذَا خِلَافُ إجْمَاعِ النَّاسِ: فَإِنَّ النَّاسَ إمَّا قَائِلٌ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ جُمْلَةِ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ. أَوْ قَائِلٌ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ جُمْلَتِهَا. أَمَّا هَذَا التَّفْصِيلُ فَمُحْدَثٌ.

ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ إنَّمَا قَالُوا هُوَ حُجَّةٌ فِي الْكَلَامِ مُطْلَقًا: وَاسْتَدَلُّوا عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً بِكَلَامِ النَّاسِ. وَبِمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ؛ وَبِأَدِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ تُبَيِّنُ لِكُلِّ ذِي نَظَرٍ أَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ مِنْ جِنْسِ دَلَالَةِ الْعُمُومِ وَالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ، وَهُوَ دَلَالَةٌ مِنْ دَلَالَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>