للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ نُفَاةَ الْمَفْهُومِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ لِلتَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ سَبَبٌ غَيْرُ التَّخْصِيصِ بِالْحُكْمِ: أَمَّا عَدَمُ الشُّعُورِ بِالْمَسْكُوتِ، أَوْ عَدَمُ قَصْدِ بَيَانِ حُكْمِهِ، أَوْ كَوْنُ الْمَسْكُوتِ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْهُ، أَوْ كَوْنُهُ مُسَاوِيًا لَهُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ، أَوْ كَوْنُهُ سُئِلَ عَنْ الْمَنْطُوقِ، أَوْ كَوْنُهُ قَدْ جَرَى بِسَبَبٍ أَوْجَبَ بَيَانَ الْمَنْطُوقِ، أَوْ كَوْنُ الْحَاجَةِ دَاعِيَةً إلَى بَيَانِ الْمَنْطُوقِ، أَوْ كَوْنُ الْغَالِبِ عَلَى أَفْرَادِ ذَلِكَ النَّوْعِ هُوَ الْمَنْطُوقَ، فَإِذَا عُلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنْ لَا مُوجِبَ لِلتَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ وَنَحْوِهَا عُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْحُكْمِ.

وَلِهَذَا كَانَ نُفَاةُ الْمَفْهُوم يَحْتَجُّونَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بِمَفْهُومَاتٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ أَنْ يَظْهَرَ قَصْدُ التَّخْصِيصِ فِي بَعْضِ الْمَفْهُومَاتِ. وَهَذَا مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ. قَدْ يُشْعِرُ بِالْقِسْمَيْنِ، وَلَهُ مَقْصُودٌ فِي بَيَانِ الشَّرْطِ؛ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ؛ فَإِنَّهُ إذَا جَعَلَ نَصِيبَ الْمَيِّتِ يَنْتَقِلُ إلَى إخْوَتِهِ عِنْدَ عَدَمِ وَلَدِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَيْهِمْ مَعَ وُجُودِ وَلَدِهِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى بَيَانِ النَّوْعَيْنِ؛ بَلْ لَوْ كَانَ النَّوْعَانِ عِنْدَهُ سَوَاءً - وَقَدْ خَصَّ بِالذِّكْرِ حَالَ عَدَمِ الْوَالِدِ - لَكَانَ مُلْبِسًا مُعَمِّيًا؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ خِلَافَ مَا قَصَدَ بِخِلَافِ مَا إذَا حُمِلَ عَلَى التَّخْصِيصِ.

الرَّابِعُ: أَنَّ الْوَصْفَ إذَا كَانَ مُنَاسِبًا اقْتَضَى الْعِلِّيَّةَ. وَكَوْنُ الْمَيِّتِ لَمْ يَخْلُفْ وَلَدًا مُنَاسِبًا لِنَقْلِ حَقِّهِ إلَى أَهْلِ طَبَقَتِهِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ النَّقْلِ إلَى ذَوِي الطَّبَقَةِ الْمَوْتُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، فَيَزُولُ هَذَا بِزَوَالِ عِلَّتِهِ، وَهُوَ وُجُودُ الْوَلَدِ.

الْخَامِسُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ سَمِعَ هَذَا الْخِطَابَ فَهِمَ مِنْهُ التَّخْصِيصَ، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ هَذَا حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ. إمَّا أَصْلِيَّةٌ لُغَوِيَّةٌ، أَوْ طَارِيَةٌ مَنْقُولَةٌ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُتَصَرِّفِينَ عَلَيْهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ إثْبَاتَ هَذَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْخَاصَّةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ كَوْنِ الْمَفْهُومِ دَلِيلًا؛ لِأَنَّ الْمُخَالِفَ فِي الْمَفْهُومِ إنَّمَا يَدَّعِي سَلْبَ الْعُمُومِ عَنْ الْمَفْهُومَاتِ لَا عُمُومَ السَّلْبِ فِيهَا؛ فَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْمَفْهُومَاتِ دَلِيلًا لِظُهُورِ الْمَقْصُودِ فِيهَا. وَهَذَا الْمَفْهُومُ كَذَلِكَ؛ بِدَلِيلِ فَهْمِ النَّاسِ مِنْهُ ذَلِكَ، وَمَنْ نَازَعَ فِي فَهْمِ ذَلِكَ فَإِمَّا فَاسِدُ الْعَقْلِ أَوْ مُعَانِدٌ.

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَقْتَضِي عَدَمَ الِانْتِقَالِ إلَى ذَوِي الطَّبَقَةِ مَعَ وُجُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>