للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ الضَّمِيرَ يَجِبُ عَوْدُهُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ عَوْدُهُ إلَى الْجَمِيعِ أُعِيدَ إلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورِينَ، أَوْ إلَى مَا يَدُلُّ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِهِ. فَأَمَّا اخْتِصَاصُهُ بِبَعْضِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ فَمِنْ بَابِ التَّخْصِيصِ الْمُخَالِفِ لِلْأَصْلِ الَّذِي لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ الْمُضْمَرَةَ إضْمَارَ الْغَيْبَةِ هِيَ فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ مَوْضُوعَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي نَفْسِهَا دَلَالَةٌ عَلَى جِنْسٍ أَوْ قَدْرٍ.

فَلَوْ قَالَ: أَدْخِلْ عَلَيَّ بَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ سَائِرَ قُرَيْشٍ، وَأَكْرِمْهُمْ، وَأَجْلِسْهُمْ، وَنَحْوَ هَذَا الْكَلَامِ: لَكَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَعَقِّبِ جُمَلًا: هَلْ يَعُودُ إلَى جَمِيعِهَا أَوْ إلَى أَقْرَبِهَا؟ ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ هُنَاكَ إنَّمَا نَشَأَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْفَعُ بَعْضَ مَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ، فَقَالَ مَنْ قَصَرَهُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ: أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلدُّخُولِ فِي الْجُمَلِ السَّابِقَةِ قَائِمٌ، وَالْمُخْرَجُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يَزَالُ عَنْ الْمُقْتَضَى بِالشَّكِّ.

وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الضَّمِيرِ؛ فَإِنَّ الضَّمِيرَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ صَالِحٌ لِلْعُمُومِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ إذَا لَمْ يَقُمْ مُخَصِّصٌ، وَعَلَى هَذَا فَحَمْلُ الضَّمِيرِ عَلَى الْعُمُومِ حَقِيقَةٌ فِيهِ، وَقَفَتْ عَلَى الْخُصُوصِ مِثْلُ تَخْصِيصِ اللَّفْظِ الْعَامِّ.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ إذَا قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ أَوْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ. فَإِنَّ إعَادَةَ الضَّمِيرِ إلَى الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ.

وَالظَّاهِرُ؛ بَلْ الْمَقْطُوعُ بِهِ مِنْ حَالِ الْعَاقِلِ: إنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ إعْطَاءَ الْأَقْرَبِ إلَيْهِ فَالْأَقْرَبِ فِي جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ إذَا نُقِلَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ إلَى ابْنِهِ فِي جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ. أَمَّا كَوْنُهُ فِي بَعْضِ الطَّبَقَاتِ يَخُصُّ الْأَقْرَبِينَ إلَيْهِ وَفِي بَعْضِهَا يَنْقُلُ النَّصِيبَ إلَى وَلَدِ الْمَيِّتِ أَوْ ذَوِي طَبَقَتِهِ؛ فَمَا يَكَادُ عَاقِلٌ يَقْصِدُ هَذَا، وَإِذَا دَارَ حَمْلُ اللَّفْظِ بَيْنَ مَا الظَّاهِرُ إرَادَتُهُ وَبَيْنَ مَا الظَّاهِرُ عَدَمُ إرَادَتِهِ: كَانَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ظَهَرَتْ إرَادَتُهُ هُوَ الْوَاجِبَ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ لِكَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَى الْمَقْصُودِ. فَإِذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ مُحْتَمِلًا وَقَدْ تَرَجَّحَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ تَعَيَّنَ الصَّرْفُ إلَيْهِ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْعُمُومِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ الَّتِي نِسْبَتُهَا وَنِسْبَةُ غَيْرِهَا إلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ سَوَاءٌ كَانَ كَالْقَاطِعِ فِي الْعُمُومِ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ، وَالشَّرْطُ الْمُتَعَقِّبُ جُمَلًا يَعُودُ

<<  <  ج: ص:  >  >>