للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى جَمِيعِهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَلَا عِبْرَةَ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ نَصُّوا أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَلَأَفْعَلَنَّ كَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ - أَنَّ كِلَا الْفِعْلَيْنِ يَكُونُ مُعَلَّقًا بِالْمَشِيئَةِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَأَضْرِبَنَّ زَيْدًا؛ ثُمَّ عَمْرًا، ثُمَّ بَكْرًا - إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا، وَعَبْدُهُ حُرٌّ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ امْرَأَتُهُ كَظَهْرِ أُمِّهِ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُخَصَّصِ؛ لَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُعَلَّقِ.

وَهَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُعَلَّقِ: مِثْلُ الشُّرُوطِ؛ لِأَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِإِلَّا وَنَحْوِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْأَسْمَاءِ؛ لَا بِالْكَلَامِ. وَالِاسْتِثْنَاءُ بِحُرُوفِ الْجَزَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْكَلَامِ.

وَقَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ وَنَحْوَهُ. مُتَعَلِّقٌ بِالْكَلَامِ، فَهُوَ بِحُرُوفِ الْجَزَاءِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِحُرُوفِ الِاسْتِثْنَاءِ: إلَّا وَأَخَوَاتِهَا. وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي إلَّا زَيْدًا. الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِأَوْلَادِي. وَقَوْلُهُ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ. الشَّرْطُ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَقَفْت. وَهُوَ الْكَلَامُ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُرَكَّبُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ. حَرْفُ الِاسْتِعْلَاءِ مُعَلِّقٌ لِمَعْنَى الْكَلَامِ، وَهُوَ وَقَفْت. وَهَذَا قَاطِعٌ لِمَنْ تَدَبَّرْهُ.

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا بَيَانٌ لِشُرُوطِ الْوَقْفِ الَّتِي يَقِفُ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَيْهَا؛ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهَا إخْرَاجَ بَعْضِ مَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ، فَهِيَ شُرُوطٌ مَعْنَوِيَّةٌ.

الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ. جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ جَزَائِيَّةٌ مَجْعُولَةٌ خَبَرَ أَنَّ الْمَفْتُوحَةِ، وَاسْمُ أَنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَأَنَّ وَمَا فِي خَبَرِهَا فِي تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ. فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ: وَقَفَتْ عَلَى هَذَا.

الرَّابِعُ: أَنَّ حَرْفَ " عَلَى " لِلِاسْتِعْلَاءِ. فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ: وَقَفْت عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ كَذَا. أَوْ بِعْتُك عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي. كَانَ الْمَعْنَى وَقَفْت وَقْفًا مُسْتَعْلِيًا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، فَيَكُونُ الشَّرْطُ أَسَاسًا وَأَصْلًا، لِمَا عَلَا عَلَيْهِ وَصَارَ فَوْقَهُ، وَالْأَصْلُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْفَرْعِ.

وَهَذَا خَاصِّيَّةُ الشَّرْطِ؛ وَلِهَذَا فَرَّقَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِأَنَّ الشَّرْطَ مَنْزِلَتُهُ التَّقَدُّمُ عَلَى الْمَشْرُوطِ، فَإِذَا أُخِّرَ لَفْظًا كَانَ كَالْمُتَصَدِّرِ فِي الْكَلَامِ، وَلَوْ تَصَدَّرَ فِي الْكَلَامِ تَعَلَّقَتْ بِهِ جَمِيعُ الْجُمَلِ، فَكَذَلِكَ إذَا تَأَخَّرَ. فَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ. كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: عَلَى أَنْ يَكُونُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>