للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فُقَرَاءَ. وَأَحَدُ اللَّفْظَيْنِ مُوجِبٌ لِعَوْدِ الضَّمِيرِ إلَى جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ، فَكَذَلِكَ الْآخَرُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الدَّلَائِلَ تُوجِبُ أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَى جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَعَقِّبَ جُمَلًا يَعُودُ إلَى جَمِيعِهَا، وَالْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْأَخِيرَةِ مِنْهَا، كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ.

الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ فَاسِدٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ خُصُوصًا، وَعَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ أَيْضًا: وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ، ثُمَّ طَالِقٌ، ثُمَّ طَالِقٌ، إنْ دَخَلْت الدَّارَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ، فَطَلَّقَ حِينَئِذٍ ثَلَاثًا إنْ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا؛ أَوْ وَاحِدَةً إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا. هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَقِيلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تَطْلُقُ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثًا، كَالْوَاوِ عِنْدَهُمَا؛ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ وَأَقْوَى الْوَجْهَيْنِ فِي هَذِهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَطَائِفَةٍ مَعَهُ: بَلْ تَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ الْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ فَقَطْ. فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا تَنَجَّزُ طَلْقَتَانِ، وَتُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ وَاحِدَةٌ. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا تَنَجَّزَتْ طَلْقَةٌ بَانَتْ بِهَا؛ فَلَمْ يَصِحَّ إيقَاعُ الْآخِرَتَيْنِ لَا تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا.

قَالُوا: لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ مَعَ التَّرَاخِي، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ: ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ. وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ فَقَالُوا: " ثُمَّ " حَرْفُ عَطْفٍ يَقْتَضِي التَّشْرِيكَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، كَالْوَاوِ؛ لَكِنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي مُطْلَقَ الْجَمْعِ وَالتَّشْرِيكِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى تَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ أَوْ مُقَارَنَةٍ، وَثُمَّ تَقْتَضِي التَّشْرِيكَ مَعَ التَّأَخُّرِ. وَافْتِرَاقُهُمَا فِي الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ افْتِرَاقَهُمَا فِي نَفْسِ التَّشْرِيكِ. وَأَمَّا كَوْنُهَا لِلتَّرَاخِي فَعَنْهُ جَوَابَانِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مُقْتَضَّاهَا مُطْلَقُ التَّرْتِيبِ؛ فَيُعْطَفُ بِهَا الْمُتَعَقِّبُ وَالْمُتَرَاخِي لَكِنْ لَمَّا كَانَ لِلْمُتَعَقِّبِ حَرْفٌ يَخُصُّهُ - وَهُوَ الْفَاءُ - صَارَتْ " ثُمَّ " عَلَامَةً عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي انْفَرَدَتْ بِهِ، وَهُوَ التَّرَاخِي؛ وَإِلَّا فَلَوْ قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا: أَنْت طَالِقٌ، ثُمَّ طَالِقٌ، أَوْ أَنْت طَالِقٌ فَطَالِقٌ: لَمْ يَكُنْ بَيْنَ هَذَيْنِ الْكَلَامَيْنِ فَرْقٌ هُنَا.

الثَّانِي: أَنَّ مَا فِيهَا مِنْ التَّرَاخِي إنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنَى لَا فِي اللَّفْظِ. فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ: جَاءَ زَيْدٌ، ثُمَّ عَمْرٌو. فَهَذَا كَلَامٌ مُتَّصِلٌ بَعْضُهُ بِبَعْضِ؛ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هُوَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>