للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: عَمْرٌو. فَمَنْ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ؛ بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَكَتَ. ثُمَّ قَالَ طَالِقٌ؛ فَقَدْ أَخْطَأَ؛ وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا يَتَرَاخَى عَنْهُ طَلَاقٌ آخَرُ. وَهَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ تَعَلُّقِ الْجَمِيعِ بِالشَّرْطِ: تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ.

فَإِذَا كَانَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهَؤُلَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ. بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ. وَقَوْلُهُ. أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَنَتُنَّ طَوَالِقُ؛ ثُمَّ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ: إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ. وَإِنَّ الشَّرْطَ تَعَلَّقَ بِالْجَمِيعِ؛ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْعَطْفَ بِمَا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ يُوجِبُ الصَّرْفَ إلَى مَنْ يَلِيه الشَّرْطُ دُونَ السَّابِقَيْنِ؟ ، وَهَلَّا قِيلَ هُنَا: إذَا ثَبَتَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ نَصًّا بِاللَّفْظَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ؛ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يُغَيِّرُهُ: وَجَبَ تَقْرِيرُ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ؛ بَلْ مَسْأَلَةُ الطَّلَاقِ أَوْلَى بِقَصْرِ الشَّرْطِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ إحْدَى الطَّلْقَتَيْنِ لَيْسَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْأُخْرَى مِنْ حَيْثُ الْوُجُودُ؛ بَلْ يُمْكِنُ إيقَاعُهُمَا مَعًا؛ بِخِلَافِ وَلَدِ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُوجَدُونَ إلَّا مُتَعَاقِبِينَ. فَالْحَاجَةُ هُنَا دَاعِيَةٌ إلَى التَّرْتِيبِ مَا لَا تَدْعُو إلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ جَوَازَ تَعْقِيبِ الْبَيْعِ وَالْوَقْفِ وَنَحْوِهِمَا بِالشُّرُوطِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ؛ فَإِنَّ مَذْهَبَ شُرَيْحٍ وَطَائِفَةٍ مَعَهُ - وَهِيَ رِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ عَنْ أَحْمَدَ - أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ مُتَأَخِّرٍ، كَمَا ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الطَّلَاقِ. فَإِذَا كَانُوا قَدْ أَعَادُوا الشَّرْطَ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ الْمُرَتَّبَةِ بِثُمَّ. فَالْقَوْلُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِهَا أَوْلَى.

وَهَذَا الْكَلَامُ لِمَنْ تَدَبَّرْهُ يَجْتَثُّ قَاعِدَةَ مَنْ نَسَبَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَا يُخَالِفُ هَذَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ: فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ بِهِ هُنَا؟ قُلْنَا: قَدْ أَسْلَفْنَا فِيمَا مَضَى أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ عَلَى أُصُولِ الْجَمِيعِ؛ لِدَلِيلٍ دَلَّ عَلَى الرُّجُوعِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الضَّمِيرِ حَقِيقَةً فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ. وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْكَلَامِ. ثُمَّ الَّذِي يَقُولُ بِهَذَا يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الطَّلَاقِ مِنْ وُجُوهٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>