للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ؛ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ: عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْهُمْ إلَّا صَاحِبُ عِيَالٍ. فَفِي مِثْلِ هَذَا قَدْ يَقْوَى اخْتِصَاصُ الشَّرْطِ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً مِنْ الْجُمْلَةِ الْأُولَى؛ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا؛ بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ؛ فَإِنَّهُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ.

وَحَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا مُتَعَيِّنٌ مَعَ مَا ذَكَرْنَا مَعَ دَلِيلِ إرَادَةِ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِ تَخْصِيصٌ لِكَلَامِهِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ قَدْ جَاءَ إلَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ قَالُوا: الِاسْتِثْنَاءُ أَوْ الصِّفَةُ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا مَعْطُوفًا بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ عَادَ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ. فَخَصَّ ذَلِكَ بِبَعْضِ حُرُوفِ الْعَطْفِ لِمَا رَآهُ مِنْ الدَّلِيلِ

. فَلَأَنْ نَخُصَّ نَحْنُ كَلَامَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ نُصُوصِ كَلَامِهِمْ الْمُوجِبِ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْوَاوِ وَثُمَّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. فَإِنْ سُلِّمَ أَنَّ كَلَامَهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَإِلَّا تَكَلَّمْنَا مَعَهُ بِ " الْوَجْهِ التَّاسِعِ ".

وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ الْمُدَّعَى بَيْنَ الْحَرْفِ الْجَامِعِ جَمْعًا مُطْلَقًا وَالْحَرْفِ الْمُرَتَّبِ فَرْقٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الْعُرْفِ، وَلَا فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ، وَلَا فِي كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ، وَلَا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ عَلَى صِحَّتِهِ فَاسِدٌ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا.

أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا: حُرُوفُ الْعَطْفِ هِيَ الَّتِي تُشَرِّكُ بَيْنَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي الْإِعْرَابِ وَهِيَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يُشَرِّكُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى أَيْضًا، وَهِيَ: الْوَاوُ وَالْفَاءُ وَثُمَّ. فَأَمَّا الْوَاوُ فَتَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ التَّشْرِيكِ وَالْجَمْعِ؛ إلَّا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ. وَأَمَّا " ثُمَّ " فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ التَّرْتِيبِ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهَا لِلتَّرَاخِي. وَأَمَّا الْفَاءُ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى نَوْعٍ مِنْ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ التَّعْقِيبُ. فَهَذِهِ الْحُرُوفُ لَا يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي نَفْسِ اجْتِمَاعِ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى، وَاشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ؛ وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ فِي زَمَانِ الِاجْتِمَاعِ.

فَلَوْ قِيلَ: إنَّ الْعِطْف بِالْوَاوِ يَقْتَضِي اشْتِرَاكَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِيمَا يَلْحَقُ الْجُمَلَ مِنْ اسْتِثْنَاءٍ وَنَعْتٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْعَطْفُ بِثُمَّ لَا يَقْتَضِي اشْتِرَاكَهُمَا فِي هَذِهِ اللَّوَاحِقِ: لَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا تَكُونَ ثُمَّ مُشْتَرَكَةً حَيْثُ تَكُونُ الْوَاوُ مُشْتَرَكَةً، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ؛ بَلْ هُوَ خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ.

وَالْأَحْكَامُ اللُّغَوِيَّةُ الَّتِي هِيَ دَلَالَاتُ الْأَلْفَاظِ. تُسْتَفَادُ مِنْ اسْتِعْمَالِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالنَّقْلِ عَنْهُمْ، فَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>