كَانَ النَّقْلُ وَالِاسْتِعْمَالُ قَدْ اقْتَضَيَا أَنَّهُمَا لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْمَعْنَى: كَانَ دَعْوَى انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِالتَّشْرِيكِ دُونَ الْآخَرِ خُرُوجًا عَنْ لُغَةِ الْعَرَبِ وَعَنْ الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ.
وَأَمَّا الْعُرْفُ فَقَدْ أَسْلَفْنَا أَنَّ النَّاسَ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ إلَّا عَوْدَ الشَّرْطِ إلَى الْجَمِيعِ، وَالْعِلْمُ بِهَذَا مِنْ عُرْفِ النَّاسِ ضَرُورِيٌّ. وَأَمَّا كَلَامُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ فَإِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَعَقِّبِ جُمَلًا فَقَالَ قَوْمٌ: إنَّهُ يَعُودُ إلَى جَمِيعِهَا. وَقَالَ قَوْمٌ: يَعُودُ إلَى الْأَخِيرَةِ مِنْهَا.
وَقَالَ قَوْمٌ: إنْ كَانَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ تَعَلُّقٌ عَادَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى جَمِيعِهَا، وَإِنْ كَانَتَا أَجْنَبِيَّتَيْنِ عَادَ إلَى الْأَخِيرَةِ. ثُمَّ فَصَلُوا الْجُمَلَ الْمُتَعَلِّقَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَذَكَرُوا عِدَّةَ أَنْوَاعٍ مِنْ التَّفْصِيلِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْعَطْفُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَمِيعِ. وَقَالَ قَوْمٌ: بِالْوَقْفِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ. ثُمَّ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَالْفَاءِ أَوْ ثُمَّ: بَلْ قَوْلُهُمْ الْمَعْطُوفُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ يَعُمُّ الْجَمِيعَ.
وَكَذَلِكَ الْفُقَهَاءُ ذَكَرُوا هَذَا فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَبَابِ الْوَقْفِ ثُمَّ بَنَوْهُ عَلَى أَصْلِهِمْ، فَقَالُوا: الِاسْتِثْنَاءُ أَوْ الْوَصْفُ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا عَادَ إلَى جَمِيعِهَا أَوْ إلَى بَعْضِهَا. وَقَدْ اعْتَرَفَ مَنْ فَصَّلَ بِأَنَّ الْأَئِمَّةَ أَطْلَقُوا هَذَا الْكَلَامَ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي فَصَّلَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الْأَئِمَّةِ إلَّا مَا قَالُوهُ.
وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ زَيْدًا، ثُمَّ عَمْرًا، ثُمَّ بَكْرًا - إنْ شَاءَ اللَّهُ. عَادَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجَمِيعِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي، لَأَضْرِبُهُنَّ هَذَا، ثُمَّ هَذَا، ثُمَّ هَذَا. أَوْ قَالَ: لَآخُذَنَّ الْمُدْيَةَ، لَأَذْبَحَنَّ الشَّاةَ. لَأَطْبُخَنَّهَا. إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ.
وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ الْعَطْفُ بِمَا يَقْتَضِي تَرْتِيبَهَا فَالصَّرْفُ إلَى جَمِيعِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِيهِ بَعْضُ النَّظَرِ وَالْغُمُوضِ فَإِنَّ انْصِرَافَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الَّذِينَ يَلِيهِمْ الِاسْتِثْنَاءُ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَانْعِطَافُهُ عَلَى جَمِيعِ السَّابِقِينَ. وَالْعَطْفُ بِالْحَرْفِ الْمُرَتَّبِ مُحْتَمَلُ، غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ. وَإِذَا ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ بِلَفْظِ الْوَاقِفِ نَصًّا وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يُغَيِّرُهُ: وَجَبَ تَقْرِيرُ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَمْ يَجُزْ تَغْيِيرُهُ لِمُحْتَمِلٍ مُتَرَدِّدٍ.
فَنَقُولُ: الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْعَطْفِ بِالْوَاوِ؛ فَإِنَّ انْعِطَافَهُ عَلَى جَمِيعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute