وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ: {لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا} [النساء: ٨٣] إنَّ {قَلِيلا} [النساء: ٨٣] عَائِدٌ إلَى قَوْلِهِ: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} [النساء: ٨٣] {إِلا قَلِيلا} [النساء: ٨٣] وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ عَائِدٌ إلَى جُمْلَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ جُمَلٌ أُخْرَى. " وَالْمُقَدَّمُ فِي الْقُرْآنِ، وَالْمُؤَخَّرُ " بَابٌ مِنْ الْعِلْمِ، وَقَدْ صَنَّفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ: مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ هَذَا. وَشِبْهُهُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُؤَخَّرًا فِي اللَّفْظِ مُقَدَّمًا فِي النِّيَّةِ.
ثُمَّ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِجُمْلَةٍ مُعْتَرِضَةٍ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا: لَا يُنْكِرُهُ إلَّا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ اللُّغَةَ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ - وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} [آل عمران: ٧٢ - ٧٣] فَقَوْلُهُ: {أَنْ يُؤْتَى} [آل عمران: ٧٣] مِنْ تَمَامِ قَوْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ. أَيْ: كَرَاهَةَ أَنْ يُؤْتَى فَهُوَ مَفْعُولُ تُؤْمِنُوا، وَقَدْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} [آل عمران: ٧٣] وَهِيَ جُمْلَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ؛ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ فَأَيُّهُمَا أَبْلَغُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ أَوْ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ؟ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْأَخِيرَةِ مَقْطُوعًا بِهِ لَمْ يَجِبْ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَيْهَا؛ بَلْ رُبَّمَا كَانَ فِي سِيَاقِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ عَوْدَهُ إلَى الْأُولَى أَوْكَدُ. - وَمَسْأَلَتُنَا مِنْ هَذَا الْبَابِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
الثَّالِثُ قَوْلُهُ: إذَا ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ بِلَفْظِ الْوَاقِفِ نَصًّا وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يُغَيِّرُهُ وَجَبَ تَقْرِيرُ الِاسْتِحْقَاقِ.
قُلْنَا أَوَّلًا: مَسْأَلَتُنَا لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ: عَلَى أَوْلَادِهِ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ لَيْسَ نَصًّا فِي تَرْتِيبِ الطَّبَقَةِ عَلَى الطَّبَقَةِ؛ فَإِنَّهُ صَالِحٌ لِتَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ، لَكِنَّ هَذَا يَجِبُ فِي خُصُوصِ مَسْأَلَتِنَا مَعَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُدْخِلَهَا تَحْتَ عُمُومِ هَذَا الْكَلَامِ، ثُمَّ مَنْ يَقُولُ مِنْ رَأْسٍ: لَا نُسَلِّمُ ثُبُوتَ الِاسْتِحْقَاقِ بِلَفْظِ الْوَاقِفِ نَصًّا فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي يَعْقُبُهَا اسْتِثْنَاءٌ أَوْ شَرْطٌ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يَكُونُ نَصًّا إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِمَا يُغَيِّرُهُ، وَالتَّغْيِيرُ مُتَحَمَّلٌ، فَشَرْطُ كَوْنِهِ نَصًّا مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَمَتَى كَانَ شَرْطُ الْحُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute