أُنَاسٌ مُتَعَدِّدُونَ، وَدَعَا بِهِ أُنَاسٌ مُتَعَدِّدُونَ، فَالنَّاسُ يَقُولُونَ إنَّهُ اسْمٌ وَاحِدٌ لِمُسَمًّى، فَإِذَا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَقَالَ ذَلِكَ هَذَا الْمُؤَذِّنُ، وَهَذَا الْمُؤَذِّنُ، وَقَالَهُ غَيْرُ الْمُؤَذِّنِ، فَالنَّاسُ يَقُولُونَ إنَّ هَذَا الْمَكْتُوبَ هُوَ اسْمُ اللَّهِ وَاسْمُ رَسُولِهِ، كَمَا أَنَّ الْمُسَمَّى هُوَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَإِذَا قَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١] ، وَقَالَ: {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ} [هود: ٤١] وَقَالَ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: ١] .
وَقَالَ: (بِسْمِ اللَّهِ) فَفِي الْجَمِيعِ الْمَذْكُورُ هُوَ اسْمُ اللَّهِ وَإِنْ تَعَدَّدَ الذِّكْرُ وَالذَّاكِرُ، فَالْخَبَرُ الْوَاحِدُ مِنْ الْمُخْبِرِ الْوَاحِدِ مِنْ مُخْبِرِهِ، وَالْأَمْرُ الْوَاحِدُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْأَمْرِ الْوَاحِدِ، بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ الْوَاحِدِ لِمُسَمَّاهُ، هَذَا فِي الْمُؤَلَّفِ نَظِيرُ هَذَا فِي الْمُفْرَدِ، وَهَذَا هُوَ وَاحِدٌ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ، وَبِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَإِنْ تَعَدَّدَ مَنْ يَذْكُرُ ذَلِكَ الِاسْمَ وَالْخَبَرَ، وَتَعَدَّدَتْ حَرَكَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُهُمْ وَسَائِرُ صِفَاتِهِمْ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إنْ قُلْتُمْ إنَّ هَذَا نَفْسُ كَلَامِ اللَّهِ فَقَدْ قُلْتُمْ بِالْحُلُولِ، وَأَنْتُمْ تُكَفِّرُونَ الْحُلُولِيَّةَ وَالِاتِّحَادِيَّةَ.
فَهَذَا قِيَاسٌ فَاسِدٌ، مِثَالُ رَجُلٍ ادَّعَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحِلُّ بِذَاتِهِ فِي بَدَنِ الَّذِي يَقْرَأُ حَدِيثَهُ فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَالُوا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحِلُّ فِي بَدَنِ غَيْرِهِ فَقَالَ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ إنَّ الْمُحَدِّثَ يَقْرَأُ كَلَامَهُ، وَإِنَّ مَا يَقْرَؤُهُ هُوَ كَلَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا قُلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ قُلْتُمْ بِالْحُلُولِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَالنَّاسُ مُتَّفِقُونَ عَلَى إطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّ كَلَامَ زَيْدٍ فِي هَذَا الْكَلَامِ، وَهَذَا الَّذِي سَمِعْنَاهُ كَلَامُ زَيْدٍ، وَلَا يَسْتَجِيزُ الْعَاقِلُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ فِي هَذَا الْمُتَكَلَّمِ أَوْ فِي هَذَا الْوَرَقِ.
وَقَدْ نَطَقَتْ النُّصُوصُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ فِي الصُّدُورِ كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَلَهْوُ أَشَدُّ تَعَلُّقًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ النَّعَمِ فِي عَقْلِهَا» .
وَقَوْلِهِ: «الْجَوْفُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ» وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ عَاقِلٍ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُ فِي صُدُورِنَا وَأَجْوَافِنَا، وَلِهَذَا لَمَّا ابْتَدَعَ شَخْصٌ يُقَالُ لَهُ الصُّورِيُّ بِأَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ فِي صُدُورِنَا، فَقَدْ قَالَ بِقَوْلِ النَّصَارَى، فَقِيلَ لِأَحْمَدَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute