للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ جَاءَتْ جَهْمِيَّةٌ رَابِعَةٌ إلَى جَهْمِيَّةِ الْخَلْقِيَّةِ وَاللَّفْظِيَّةِ وَالْوَاقِفِيَّةِ وَهَذِهِ الْوَاقِفَةُ، اشْتَدَّ نَكِيرُهُ لِذَلِكَ وَقَالَ: هَذَا أَعْظَمُ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ.

وَهُوَ كَمَا قَالَ: فَإِنَّ الْجَهْمِيَّةَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُنْكِرُ أَنْ يُقَالَ: الْقُرْآنُ فِي الصُّدُورِ، وَلَا يُشَبِّهُ هَذَا بِقَوْلِ النَّصَارَى بِالْحُلُولِ إلَّا مَنْ هُوَ فِي غَايَةِ الضَّلَالَةِ وَالْجَهَالَةِ، فَإِنَّ النَّصَارَى يَقُولُونَ الْأَبُ وَالِابْنُ وَرُوحُ الْقُدُسِ إلَهٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّ الْكَلِمَةَ الَّتِي هِيَ اللَّاهُوتُ تَدَرَّعَتْ النَّاسُوتَ وَهُوَ عِنْدَهُمْ إلَهٌ يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَلِهَذَا كَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَيَقُولُونَ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَلِهَذَا كَانُوا مُتَنَاقِضِينَ، فَإِنَّ الَّذِي تَدَرَّعَ الْمَسِيحَ كَانَ هُوَ الْإِلَهُ الْجَامِعُ لِلْأَقَانِيمِ، فَهُوَ الْأَبُ نَفْسُهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ، فَالصِّفَةُ لَا تَخْلُقُ وَلَا تَرْزُقُ، وَلَيْسَتْ إلَهًا، وَالْمَسِيحُ عِنْدَهُمْ إلَهٌ.

وَلَوْ قَالَ النَّصَارَى: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ فِي صَدْرِ الْمَسِيحِ.

كَمَا هُوَ فِي صُدُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِمْ مَا يُنْكَرُ.

فَالْحُلُولِيَّةُ الْمَشْهُورُونَ بِهَذَا الِاسْمِ مَنْ يَقُولُ بِحُلُولِ اللَّهِ فِي الْبَشَرِ كَمَا قَالَتْ النَّصَارَى وَالْغَالِبَةُ مِنْ الرَّافِضَةِ.

وَغُلَاةُ أَتْبَاعِ الْمَشَايِخِ يَقُولُونَ بِحُلُولِهِ فِي شَيْءٍ كَمَا قَالَتْ الْجَهْمِيَّةُ إنَّهُ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَان.

وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَيْسَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ.

وَلَا فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ.

وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ بِاتِّحَادِهِ بِالْمَسِيحِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ قَالَ بِاتِّحَادِهِ بِالْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا.

أَوْ قَالَ وُجُودُ الْمَخْلُوقَاتِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.

فَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ فِي قُلُوبِ أَنْبِيَائِهِ وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَإِنَّ الرُّسُلَ بَلَّغَتْ كَلَامَ اللَّهِ وَاَلَّذِي بَلَّغَتْهُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ.

وَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّحِيفَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

فَهَذَا لَا يُسَمَّى حُلُولًا.

وَمَنْ سَمَّاهُ حُلُولًا لَمْ يَكُنْ بِتَسْمِيَتِهِ لِذَلِكَ مُبْطِلًا لِلْحَقِيقَةِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي مُفَارَقَةَ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ لَهُ وَانْتِقَالَهَا إلَى غَيْرِهِ، فَكَيْفَ صِفَةُ الْخَالِقِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ فِيهِ شُبْهَةُ الْحُلُولِ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي إثْبَاتِ لَفْظِ الْحُلُولِ وَنَفْيِهِ عَنْهُ.

هَلْ يُقَالُ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ حَالٌّ فِي الْمُصْحَفِ.

أَوْ حَالٌّ فِي الصُّدُورِ.

وَهَلْ يُقَالُ كَلَامُ النَّاسِ الْمَكْتُوبُ حَالٌّ فِي الْمُصْحَفِ أَوْ حَالٌّ فِي قُلُوبِ حَافِظِيهِ.

فَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ نَفَتْ الْحُلُولَ كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَمْثَالِهِ وَقَالُوا ظَهَرَ كَلَامُ اللَّهِ فِي هَذَا.

وَلَا نَقُولُ حَلَّ.

لِأَنَّ حُلُولَ صِفَةِ الْخَالِقِ فِي الْمَخْلُوقِ أَوْ حُلُولَ الْقَدِيمِ فِي الْمُحْدَثِ مُمْتَنِعٌ.

وَطَائِفَةٌ أَطْلَقَتْ الْقَوْلَ بِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ حَالٌّ فِي الْمُصْحَفِ كَأَبِي إسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ الْهَرَوِيِّ الْمُلَقَّبِ بِشَيْخِ الْإِسْلَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>