للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ.

وَإِنَّا لَنَحْكِي كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّةِ قَالَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ: أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: إنَّ لِلَّهِ وَلَدًا أَكْفَرُ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا: إنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَكَانَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي إدْرِيسَ يُسَمِّيهِمْ زَنَادِقَةُ الْعِرَاقِ، وَقِيلَ لَهُ: سَمِعْت أَحَدًا يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَةُ.

قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: سَمِعْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ وَذَكَرَ لَهُ أَنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ.

فَقَالَ: كَيْفَ يَصْنَعُونَ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ؟ كَيْفَ يَصْنَعُونَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا} [طه: ١٤] قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: نَظَرْت فِي كَلَامِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس، فَمَا رَأَيْت قَوْمًا أَضَلَّ فِي كُفْرِهِمْ مِنْهُمْ، وَإِنِّي لَأَسْتَجْهِلُ مَنْ لَا يُكَفِّرُهُمْ، إلَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ كُفْرَهُمْ.

قَالَ: وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ: مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا كَمَا زَعَمُوا فَلِمَ صَارَ فِرْعَوْنُ أَوْلَى بِأَنْ يَخْلُدَ فِي النَّارِ إذْ قَالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: ٢٤] وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا مَخْلُوقٌ، وَاَلَّذِي قَالَ: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: ١٤] هَذَا أَيْضًا قَدْ ادَّعَى مَا ادَّعَى فِرْعَوْنُ فَلِمَ صَارَ فِرْعَوْنُ أَوْلَى أَنْ يَخْلُدَ فِي النَّارِ مِنْ هَذَا، وَكِلَاهُمَا عِنْدَهُ مَخْلُوقٌ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَبُو عُبَيْدٍ فَاسْتَحْسَنَهُ وَأَعْجَبَهُ.

وَمَعْنَى كَلَامِ هَؤُلَاءِ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ مَنْ قَالَ: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، خَلَقَهُ فِي الشَّجَرَةِ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا قَالَ هَذَا الْجَهْمِيُّ الْمُعْتَزِلِيُّ الْمَسْئُولُ عَنْهُ كَانَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِ: إنَّ الشَّجَرَةَ هِيَ الَّتِي قَالَتْ لِمُوسَى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: ١٤] وَمَنْ قَالَ: إنَّ مَخْلُوقًا قَالَ ذَلِكَ، فَهَذَا الْمَخْلُوقُ عِنْدَهُ كَفِرْعَوْنَ الَّذِي قَالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: ٢٤] كِلَاهُمَا مَخْلُوقٌ وَكِلَاهُمَا قَالَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُ فِرْعَوْنَ كُفْرًا فَقَوْلُ هَؤُلَاءِ أَيْضًا كُفْرٌ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ يَئُولُ إلَى قَوْلِ فِرْعَوْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>