للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَتَعَيَّنُ وَلَا يَتَخَصَّصُ.

فَكَانَ قَوْلُ هَؤُلَاءِ مُضَاهِيًا لِقَوْلِ الْمُتَفَلْسِفَةِ الدَّهْرِيَّةِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ وُجُودَ الرَّبِّ وُجُودًا مُطْلَقًا بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ لَا صِفَةَ لَهُ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُطْلَقَ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي الذِّهْنِ.

وَهَؤُلَاءِ الدَّهْرِيَّةُ يُنْكِرُونَ أَيْضًا حَقِيقَةَ تَكْلِيمِهِ لِمُوسَى، وَيَقُولُونَ إنَّمَا هُوَ فَيْضٌ فَاضَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ.

وَهَكَذَا يَقُولُونَ فِي الْوَحْيِ إلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ.

وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْقُرْآنَ قَوْلُ الْبَشَرِ، لَكِنَّهُ صَدَرَ عَنْ نَفْسٍ صَافِيَةٍ شَرِيفَةٍ، وَإِذَا كَانَ الْمُعْتَزِلَةُ خَيْرًا مِنْ هَؤُلَاءِ، وَقَدْ كَفَّرَ السَّلَفُ مَنْ يَقُولُ بِقَوْلِهِمْ، فَكَيْفَ هَؤُلَاءِ؟ وَكَلَامُ السَّلَفِ وَالْأُمَّةِ فِي مِثْلِ هَؤُلَاءِ لَا يُحْصَى، قَالَ حَرْبُ بْنُ إسْمَاعِيلُ الْكَرْمَانِيُّ: سَمِعْت إِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ يَقُولُ: لَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلَافٌ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.

وَكَيْفَ يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ الرَّبِّ عَزَّ ذِكْرُهُ مَخْلُوقًا.

وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَزِمَهُمْ أَنْ يَقُولُوا عِلْمُ اللَّهِ وَقُدْرَتُهُ وَمَشِيئَتُهُ مَخْلُوقَةٌ.

فَإِنْ قَالُوا ذَلِكَ لَزِمَهُمْ أَنْ يَقُولُوا كَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَلَا عِلْمَ وَلَا قُدْرَةَ وَلَا مَشِيئَةَ.

وَهُوَ الْكُفْرُ الْمَحْضُ الْوَاضِحُ.

لَمْ يَزَلْ اللَّهُ عَالِمًا مُتَكَلِّمًا لَهُ الْمَشِيئَةُ وَالْقُدْرَةُ فِي خَلْقِهِ.

وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.

فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ.

وَقَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ شَيْئًا مِنْ اللَّهِ مَخْلُوقٌ.

فَقِيلَ لَهُ مِنْ أَيْنَ قُلْت هَذَا؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: ١٣] وَلَا يَكُونُ مِنْ اللَّهِ شَيْءٌ مَخْلُوقٌ.

وَهَذَا الْقَوْلُ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: كَلَامُ اللَّهِ مِنْ اللَّهِ.

لَيْسَ بِبَائِنٍ مِنْهُ.

وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ السَّلَفِ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ مِنْهُ بَدَأَ وَمِنْهُ خَرَجَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ.

كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّكُمْ لَنْ تَرْجِعُوا إلَى اللَّهِ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ» .

يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ لَمَّا سَمِعَ قُرْآنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>