للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا تَنْكَشِفُ لَهُ هَذِهِ الْحَالُ عِنْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْحَقِّ: إمَّا فِي الدُّنْيَا عِنْدَ الْإِنَابَةِ أَوْ عِنْدَ الْمُنْقَلَبِ إلَى الْآخِرَةِ، فَيَرَى سُوءَ الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَكَيْفَ كَانَ قَلْبُهُ ضَالًّا عَنْ الْحَقِّ، هَذَا إذَا صُرِفَ إلَيَّ الْبَاطِلِ.

فَأَمَّا لَوْ تُرِكَ وَحَالَتُهُ الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا فَارِغًا عَنْ كُلِّ ذِكْرٍ.

وَخَالِيًا مِنْ كُلِّ فِكْرٍ، لَقَدْ كَانَ يَقْبَلُ الْعِلْمَ الَّذِي لَا جَهْلَ فِيهِ، وَيَرَى الْحَقَّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ.

فَيُؤْمِنُ بِرَبِّهِ وَيُنِيبُ إلَيْهِ.

فَإِنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ.

كَمَا تَنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ لَا تَحُسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: ٣٠] .

وَإِنَّمَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ فِي غَالِبِ الْحَالِ، شُغْلُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ فِتَنِ الدُّنْيَا، وَمَطَالِبِ الْجَسَدِ، وَشَهَوَاتِ النَّفْسِ، فَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَالْعَيْنِ النَّاظِرَةِ إلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَرَى مَعَ ذَلِكَ الْهِلَالَ، أَوْ هُوَ يَمِيلُ إلَيْهِ فَيَصُدُّهُ عَنْ اتِّبَاعِ الْحَقِّ.

فَيَكُونُ كَالْعَيْنِ الَّتِي فِيهَا قَذًى لَا يُمَكِّنُهَا رُؤْيَةُ الْأَشْيَاءِ.

ثُمَّ الْهَوَى قَدْ يَعْرِضُ لَهُ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ فَيَصُدُّهُ عَنْ النَّظَرِ فِيهِ.

فَلَا يَتَبَيَّنُ لَهُ الْحَقُّ كَمَا قِيلَ: «حُبُّك الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ» فَيَبْقَى فِي ظُلْمَةِ الْأَفْكَارِ.

وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ ذَلِكَ كِبْرًا يَمْنَعُهُ عَنْ أَنْ يَطْلُبَ الْحَقَّ: {فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [النحل: ٢٢] .

وَقَدْ يَعْرِضُ الْهَوَى بَعْدَ أَنْ عَرَفَ الْحَقَّ فَيَجْحَدُهُ وَيُعْرِضُ عَنْهُ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ فِيهِمْ:

<<  <  ج: ص:  >  >>