{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا} [الأعراف: ١٤٦] .
ثُمَّ الْقَلْبُ لِلْعِلْمِ كَالْإِنَاءِ لِلْمَاءِ، وَالْوِعَاءِ لِلْغُسْلِ وَالْوَادِي لِلسَّيْلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: ١٧] الْآيَةَ.
وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ، فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ فِيهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَسَقَى النَّاسُ وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً. وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً. فَذَلِكَ مِثْلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا أُرْسِلْت بِهِ، وَمِثْلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْت بِهِ» .
وَفِي حَدِيثِ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: " الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا ".
وَبَلَغَنَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ قَالَ: الْقُلُوبُ آنِيَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ فَأَحَبُّهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَرَقُّهَا وَأَصْفَاهَا.
وَهَذَا مَثَلٌ حَسَنٌ فَإِنَّ الْقَلْبَ إذَا كَانَ رَقِيقًا لَيِّنًا كَانَ قَبُولُهُ لِلْعِلْمِ سَهْلًا يَسِيرًا، وَرَسَخَ فِيهِ وَأَثَّرَ، وَإِنْ يَكُنْ قَاسِيًا غَلِيظًا يَكُنْ قَبُولُهُ لِلْعِلْمِ صَعْبًا عَسِيرًا.
وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ زَكِيًّا صَافِيًا سَلِيمًا حَتَّى يَزْكُوَ فِيهِ الْعِلْمُ، وَيُثْمِرَ ثَمَرًا طَيِّبًا وَإِلَّا فَلَوْ قَبِلَ الْعِلْمَ وَكَانَ فِيهِ كَدَرٌ وَخَبَثٌ أَفْسَدَ ذَلِكَ الْعِلْمَ، وَكَانَ كَالدَّغَلِ فِي الْمُزْدَرَعِ، إنْ لَمْ يَمْنَعْ الْحَبَّ مِنْ أَنْ يُنْبِتَ، مَنَعَهُ مِنْ أَنْ يَزْكُوَ وَيَطِيبَ، وَهَذَا بَيِّنٌ لِأُولِي الْأَبْصَارِ.
وَتَلْخِيصُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْحَقِّ فَلَهُ وَجْهَانِ: وَجْهٌ مُقْبِلٌ عَلَى الْحَقِّ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُقَالُ لَهُ وِعَاءٌ وَإِنَاءٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَوْجِبُ مَا يُوعَى فِيهِ وَيُوضَعُ فِيهِ، وَهَذِهِ الصِّبْغَةُ وُجُودُ ثُبُوتٍ، وَوَجْهٌ مُعْرِضٌ عَنْ الْبَاطِلِ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُقَالُ لَهُ زَكِيٌّ وَسَلِيمٌ وَطَاهِرٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الشَّرِّ وَالْخُبْثِ وَالدَّغَلِ وَهَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute