وَفِي الْجُمْلَةِ: فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ الْمُخْتَصِّ بِالْبَانِي الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ أَصْلًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ قَوْلَانِ، وَنَظِيرُ هَذَا إذَا أَخْرَجَ رَوْشَنًا أَوْ مِيزَابًا إلَى الطَّرِيقِ النَّافِذِ وَلَا مَضَرَّةَ فِيهِ، فَهَلْ يَجُوزُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ: أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْبَرَكَاتِ.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ كَمَا اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ تَحْرِيمًا أَوْ تَنْزِيهًا، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ فِي كِتَابِ " الْوَرَعِ " آثَارًا فِي ذَلِكَ - مِنْهَا مَا نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ سَقَّفَ لَهُ دَارًا وَجَعَلَ مِيزَابَهَا إلَى الطَّرِيقِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: اُدْعُ لِي النَّجَّارَ حَتَّى يُحَوِّلَ الْمَاءَ إلَى الدَّارِ.
فَدَعَوْتُهُ لَهُ فَحَوَّلَهُ وَقَالَ: إنَّ يَحْيَى الْقَطَّانَ كَانَتْ مِيَاهُهُ فِي الطَّرِيقِ، فَعَزَمَ عَلَيْهَا وَصَيَّرَهَا إلَى الدَّارِ.
وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ ذَكَرَ وَرَعَ شُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ، وَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لَك أَنْ تُطَيِّنَ الْحَائِطَ لِئَلَّا يَخْرُجَ إلَى الطَّرِيقِ.
وَسَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ الرَّجُلِ يَحْتَفِرُ فِي فِنَائِهِ الْبِئْرَ أَوْ الْمُحَرِّمُ لِلْعُلُوِّ؟ قَالَ: لَا، هَذَا طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قُلْتُ: إنَّمَا هُوَ بِئْرٌ يُحْفَرُ وَيُسَدُّ رَأْسُهَا.
قَالَ: أَلَيْسَ هِيَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ.
وَسَأَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ عَنْ الرَّجُلِ يُخْرِجُ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ الْكَنِيفَ أَوْ الْأُسْطُوَانَةَ، هَلْ يَكُونُ عَدْلًا؟ قَالَ: لَا يَكُونُ عَدْلًا وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْمَثَاعِبِ. وَالْكُنُفِ تُقْطَعُ عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ.
وَعَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيّ قَالَ: لَأَنْ يُصَبَّ طِينِي فِي حَجْلَتِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُصَبَّ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: وَبَلَغَنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُخْرِجْ مِنْ دَارِهِ إلَى الطَّرِيقِ مَاءَ السَّمَاءِ، وَقَالَ: فَرُئِيَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قِيلَ لَهُ: بِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: بِكَفِّ أَذَاهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ.
وَمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ احْتَجَّ بِحَدِيثِ مِيزَابِ الْعَبَّاسِ.