للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَبْنِيَ، فِي الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ مَا لَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، مِثْلَ بِنَاءِ مَسْجِدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاسُ، أَوْ تَوْسِيعِ مَسْجِدٍ ضَيِّقٍ بِإِدْخَالِ بَعْضِ الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ فِيهِ، أَوْ أَخْذِ بَعْضِ الطَّرِيقِ لِمَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ، مِثْلِ: حَانُوتٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسْجِدُ فَهَذَا النَّوْعُ يَجُوزُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ الْمَعْرُوفِ.

وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَكِنْ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَمِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ مَنْ لَمْ يَحْكِ نِزَاعًا فِي جَوَازِ هَذَا النَّوْعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ رِوَايَةً ثَالِثَةً بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَالْمَسْأَلَةُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، مِنْ زَمَنِ أَصْحَابِهِ وَأَصْحَابِ أَصْحَابِهِ إلَى زَمَنِ مُتَأَخِّرِي الْمُصَنَّفِينَ مِنْهُمْ، كَأَبِي الْبَرَكَاتِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنِ حَمْدَانَ وَغَيْرِهِمْ.

وَأَلْفَاظُ أَحْمَدَ فِي " جَامِعِ الْخَلَّالِ "، " وَالشَّافِي " لِأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ " وَزَادِ الْمُسَافِرِ " " وَالْمُتَرْجَمِ " لِأَبِي إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيَّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الشَّالَنْجِيُّ: سَأَلَتْ أَحْمَدَ عَنْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ وَلِلْمُسْلِمِينَ عَنْهُ غِنًى وَبِهِمْ إلَى أَنْ يَكُونَ مَسْجِدًا حَاجَةٌ، هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُبْنَى هُنَاكَ مَسْجِدٌ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ.

وَمَسَائِلُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ هَذَا مِنْ أَجَلِّ مَسَائِلِ أَحْمَدَ، وَقَدْ شَرَحَهَا أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ " الْمُتَرْجَمِ "، وَكَانَ خَطِيبًا بِجَامِعِ دِمَشْقَ هُنَا، وَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ مَسَائِلُ، وَكَانَ يُقْرَأُ كُتُبُ أَحْمَدَ إلَيْهِ عَلَى مِنْبَرِ جَامِعِ دِمَشْقَ، فَأَحْمَدُ أَجَازَ الْبِنَاءَ هُنَا مُطْلَقًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ إذْنَ الْإِمَامِ، وَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الطَّرِيقِ؟ فَقَالَ: أَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ.

فَهُنَا اشْتَرَطَ فِي الْجَوَازِ إذْنَ الْإِمَامِ.

وَمَسَائِلُ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَحْمَدَ بَعْدَ مَسَائِلِ ابْنِ الْحَكَمِ، فَإِنَّ ابْنَ الْحَكَمِ صَحِبَ أَحْمَدَ قَدِيمًا، وَمَاتَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِنَحْوِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَأَمَّا إسْمَاعِيلُ فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الرَّأْيِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَسَأَلَ أَحْمَدُ مُتَأَخِّرًا، وَسَأَلَ مَعَهُ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد الْهَاشِمِيَّ، وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَسُلَيْمَانُ كَانَ يُقْرَنُ بِأَحْمَدَ حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا رَأَيْت بِبَغْدَادَ أَعْقَلَ مِنْ رَجُلَيْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْهَاشِمِيِّ.

وَأَمَّا الَّذِينَ جَعَلُوا فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَةً ثَالِثَةً، فَأَخَذُوهَا مِنْ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>