وَلَا يَجُوزُ لِوَاقِفٍ شَرْطُ النَّظَرُ لِذِي مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ دَائِمًا وَمَنْ وَقَفَ مَدْرَسَةً عَلَى مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ فَلِلنَّاظِرِ ثُمَّ الْحَاكِمِ تَقْدِيرُ أُعْطِيَتْهُمْ، فَلَوْ زَادَ النَّمَاءُ فَهُوَ لَهُمْ، وَالْحُكْمُ بِتَقْدِيرِ مُدَرِّسٍ أَوْ غَيْرِهِ بَاطِلٌ وَلَوْ نَفَّذَهُ حُكَّامٌ، وَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْمُدَرِّسَ لَا يَزْدَادُ وَلَا يَنْقُصُ بِزِيَادَةِ النَّمَاءِ وَنَقْصُهُ كَانَ بَاطِلًا لِأَنَّهُ لَهُمْ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ وَلَوْ تَعَاوَنُوا فِي الْمَنْفَعَةِ كَالْإِمَامِ وَالْجَيْشِ فِي الْمَغْنَمِ، لَكِنْ دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى التَّفْضِيلِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْقَيِّمَ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أَجْرُهُ وَلِهَذَا يَحْرُمُ أَخْذُهُ فَوْقَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ فَلَا شَرْطَ وَالْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ كَالْقَيِّمِ بِخِلَافِ الْمُدَرِّسِ وَالْمُتَعَبِّدِ وَالْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَإِذَا وَقَفَ عَلَى إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَقَدَّرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ جُزْءًا مَعْلُومًا وَزَادَ الْوَقْفُ خَمْسَةَ أَمْثَالِهِ مَثَلًا جَازَ أَنْ يَصْرِفَ إلَى الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ مِنْ الزَّائِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَصْرِفٌ بَعْدَ تَمَامِ كِفَايَتِهِمَا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا:
أَنَّ تَقْدِيرَ الْوَاقِفِ دَرَاهِمَ مُقَدَّرَةً قَدْ يُزَادُ لَهُ بِالنِّسْبَةِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ لَهُ عَشَرَةً، وَالْمُغَلُّ مِائَةٌ فَيُزَادُ بِهِ الْعُشْرُ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى هَذَا عُمِلَ بِهَا، وَمِنْ الْمَعْلُومِ فِي الْعُرْفِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ مَغْلَةَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَشَرَطَ لَهُ سِتَّةً ثُمَّ صَارَ خَمْسَمِائَةٍ فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَشْتَرِطَ أَضْعَافَ ذَلِكَ مِثْلَ خَمْسَةِ أَمْثِلَةٍ، وَلَمْ يَجُزْ عَادَةً مَنْ شَرَطَ سِتَّمِائَةٍ أَنْ يَشْتَرِطَ سِتَّةً مِنْ خَمْسِمِائَةٍ فَيُحْمَلُ كَلَامُ النَّاسِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ فِي خِطَابِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْوَاقِفَ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ هَذَا فَزَائِدُ الْوَقْفِ يُصْرَفُ لِلْمَصَالِحِ الَّتِي هِيَ نَظِيرُ مَصَالِحِهِ، وَمَنْ قُدِّرَ لَهُ الْوَقْفُ بِسَافِلِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ إنْ اسْتَحَقَّهُ بِمُوجِبِ الشَّرْعِ.
وَلَوْ عَطَّلَ وَقْفَ مَسْجِدٍ سَنَةً تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ عَلَيْهَا وَعَلَى السَّنَةِ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ التَّعْطِيلِ، وَلَا يَنْقُضْ الْإِمَامُ بِسَبَبِ تَعْطِيلِ الزَّرْعِ الْعَامَ، وَمَنْ لَمْ يَقُمْ بِوَظِيفَتِهِ غَيْرُهُ فَلِمَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ يَقُومُ بِهَا إلَى أَنْ يَتُوبَ الْأَوَّلُ وَيَلْتَزِمَ بِالْوَاجِبِ.
وَيَجِبُ أَنْ يُوَلَّى فِي الْوَظَائِفِ وَإِمَامَةِ الْمَسَاجِدِ الْأَحَقُّ شَرْعًا وَأَنْ يَعْمَلَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلِ الْوَاجِبِ، وَلَيْسَ لِلنَّاسِ أَنْ يُوَلُّوا عَلَيْهِمْ الْفَاسِقَ، وَإِنْ نَفَذَ حُكْمُهُ أَوْ صَحَّتْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ.
وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهَا وَلَمْ يَتَنَازَعُوا أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute