قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ مَنْ قَسَمَ شَيْئًا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَحَرَّى فِيهِ الْعَدْلَ وَيَتَّبِعَ مَا هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ، وَسَوَاءٌ اسْتَفَادَ الْقِسْمَةَ بِوِلَايَةٍ كَالْإِمَامِ الْحَاكِمِ أَوْ بِعَقْدٍ كَالنَّاظِرِ وَالْوَصِيِّ، وَإِذَا وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَأَقَارِبُ الْوَاقِفِ الْفُقَرَاءُ أَحَقُّ مِنْ الْفُقَرَاءِ الْأَجَانِبِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْحَاجَةِ، وَإِذَا قَدَّرَ وُجُودَ فَقِيرٍ مُضْطَرٍّ كَانَ دَفْعُ ضَرُورَتِهِ وَاجِبًا، وَإِذَا لَمْ تَنْدَفِعْ ضَرُورَتُهُ إلَّا بِتَنْقِيصِ كِفَايَةِ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَحْصُلُ لَهُمْ تَعَيَّنَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ شَيْءٌ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا يُقَابِلُ عَمَلَهُ لَا الْعَادَةَ.
وَاعْتَبَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فِي مَوْضِعٍ جَوَازَ أَخْذِ النَّاظِرِ أُجْرَةَ عَمَلِهِ مَعَ فَقْرِهِ كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ، وَلَا يُقَدَّمُ النَّاظِرُ بِمَعْلُومِهِ بِلَا شَرْطٍ، وَمَا يَأْخُذُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْوَاقِفِ هَلْ هُوَ إجَارَةٌ أَوْ جَعَالَةٌ أَوْ كَرِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِيهِ أَقْوَالٌ، ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ وَالْمُكُوسُ إذَا أَقْطَعَهَا الْإِمَامُ الْحَيِّدُ فَهِيَ حَلَالٌ لَهُمْ إذَا جَهِلَ مُسْتَحَقَّهَا، وَكَذَلِكَ إذَا رَتَّبَهَا لِلْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ، وَاَلَّذِي يُتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَسَلَّفُوا الْأُجْرَةَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوا الْمَنْفَعَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ وَلَا الْأُجْرَةَ عَلَيْهَا.
وَعَلَى هَذَا فَلَهُمْ أَنْ يَطْلُبُوا الْأُجْرَةَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ فَرَّطَ، وَلَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوا النَّاظِرَ، وَيَدُ الْوَاقِفِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمُتَّصِلِ بِالْوَقْفِ مَا لَمْ تَأْتِ حُجَّةٌ تَدْفَعُ مُوجِبَهَا، كَمَعْرِفَةِ كَوْنِ الْغَارِسِ غَرَسَهَا بِمَالِهِ بِحُكْمِ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ.
وَمِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ قَوْمٌ لَهُمْ رَوَاتِبُ أَضْعَافُ حَاجَاتِهِمْ وَقَوْمٌ لَهُمْ جِهَاتٌ مَعْلُومُهَا كَثِيرٌ يَأْخُذُونَهُ وَيَسْتَشِبُّونَ يَسِيرًا، وَالنِّيَابَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ جَائِزَةٌ وَلَوْ عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ إذَا كَانَ مِثْلَ مُسْتَشِيبِهِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ، كَالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ، وَيَسْتَحِقُّ حَمْلَ مَوْجُودٍ عِنْدَ تَأْبِيرِ النَّخْلِ أَوْ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرِ مِنْ حِينِ مَوْتِ أَبِيهِ وَلَوْ لَمْ يَتَفَصَّلْ.
وَإِذَا زَرَعَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ، ثُمَّ مَاتَ وَانْتَقَلَ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي كَانَ مُبْقًى إلَى أَوَانِ حَدِّهِ بِأَجْرِهِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ تُجْعَلُ مُزَارَعَةً بَيْنَ الزَّارِعِ وَرَبِّ الْأَرْضِ لِنُمُوِّهِ مِنْ أَرْضِ أَحَدِهِمَا، وَبَذْرِ الْآخَرِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْإِقْطَاعِ الْمَزْرُوعِ إذَا انْتَقَلَ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute