للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَالْمَهْرُ عِنْدَهُمْ مَا يُعَجَّلُ وَالصَّدَاقُ مَا يُؤَجَّلُ كَانَ حُكْمُهُمْ عَلَى مُقْتَضَى عُرْفِهِمْ وَلَوْ امْرَأَةً اتَّفَقَ مَعَهَا عَلَى صَدَاقٍ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَأَنَّهُ يَظْهَرُ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا بِقَبْضِ عَشَرَةٍ فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَغْدِرَ بِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيفُ الرَّجُلِ عَلَى وُجُودِ الْقَبْضِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ بِالْقَبْضِ فِي مِثْلِ هَذَا يَتَضَمَّنُ الْإِبْرَاءَ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ تَبْقَى مَعَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ هَذِهِ تَسْمِيَةٌ فَاسِدَةٌ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى وَتَتَوَجَّهُ صِحَّتُهُ بَلْ هُوَ الْأَشْبَهُ بِأُصُولِنَا كَمَا لَوْ بَاعَهُ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمِ، أَوْ أَكْرَاهُ الدَّارَ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ، وَلِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمَهْرِ بِمُدَّةِ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ تَأْجِيلِهِ بِمُدَّةِ النِّكَاحِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ جَهَالَةِ الْقَدْرِ وَجَهَالَةِ الْأَجَلِ.

وَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَخِيطَ لَهَا كُلَّ شَهْرٍ ثَوْبًا صَحَّ أَيْضًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنْفَعَةِ دَارِهِ أَوْ عَبْدِهِ مَا دَامَتْ زَوْجَتُهُ وَفِيهَا قَدْ تَبْطُلُ الْمَنْفَعَةُ قَبْلَ زَوَالِ النِّكَاحِ فَإِنْ شَرَطَ لَهَا مَثَلًا إذَا تَلِفَتْ فَهُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَوْ قِيلَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَبَرَّعَتْ الْمَرْأَةُ بِالصَّدَاقِ ثُمَّ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَهُوَ بَاقٍ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ.

وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْفُسُوخِ لَمْ يَبْعُدْ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَ بِمُعَاوَضَةٍ وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ الصَّدَاقَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ تَكَرَّرَ، وَقَالَتْ بَلْ هُوَ عَقْدَانِ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَهَا الْمَهْرَانِ هَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْجَدِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا زَادَ عَلَى الْمَهْرِ الثَّانِي وَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا نِصْفَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدُّخُولِ وَلَمْ يَثْبُتْ بَيِّنَةٌ وَلَا إقْرَارٌ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ أَنْكَرَ الدُّخُولَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْهُ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي وُجُودِ الدُّخُولِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَكَذَا يَحِقُّ فِي كُلِّ صُورَةٍ ادَّعَتْ عَلَيْهِ صَدَاقًا فِي نِكَاحٍ فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ وَقَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَوَقَعَ مِنْهُ الطَّلَاقُ هَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الْمُسَمَّى أَوْ بِنِصْفِهِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ ادِّعَائِهِ الْمُسْقِطَ وَعَدَمِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ وَمَأْخَذُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصَّدَاقَ إذَا تَبَيَّنَ بِالْعَقْدِ وَحَصَلَتْ الْفُرْقَةُ فَهَلْ يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَدَّعِ عَدَمَ الدُّخُولِ وَلَوْ صَالَحَتْ عَنْ صَدَاقِهَا الْمُسَمَّى بِأَقَلَّ جَازَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِبَعْضِ حَقِّهَا وَلَوْ صَالَحَتْهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ الْفَضْلُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رِبًا لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى حَقِّهَا وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَصَحَّحْنَا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>