بِأَقَلَّ مِنْهُ وَأَكْثَرَ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ هَلْ يَفْتَقِرُ لُزُومُهَا إلَى قَبُولِ الزَّوْجَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَإِتْيَانِهِ الْفَرْضَ بَعْدَ الْفَرْضِ فَلَوْ فَرَضَ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَهَلْ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ فَرْضِهِ كَلَامُ أَحْمَدَ زَادَهَا فِي مَهْرِهَا مُطْلَقٌ لَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قَبِلَتْهَا أَمْ لَا.
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُغَيِّرَ الْمَهْرَ مِثْلُ تَبْدِيلِ نَقْدٍ بِنَقْدٍ، أَوْ تَأْجِيلِ الْحَالِّ أَوْ إحْلَالِ الْمُؤَجَّلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمُوجِبُ تَعْلِيلِ أَصْحَابِنَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ تَبْدِيلَ فَرْضٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَغْيِيرٌ لِذَلِكَ الْفَرْضِ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ كَلَامُهُمْ صِحَّتَهُ أَيْضًا لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِهِمْ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَقَدْ كَتَبْت عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَا إذَا أَهْدَى لَهَا هَدِيَّةً بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهَا تَرُدُّ ذَلِكَ إلَيْهِ إذَا زَالَ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا وَهَبَهُ لَهَا سَبَبُهُ النِّكَاحُ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ إذَا زَالَ النِّكَاحُ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ.
وَهَذَا الْمَنْصُوصُ جَارٍ عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ الْمُوَافِقَةِ لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُهْدِيَ أَوْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ بِسَبَبٍ يَثْبُتُ بِثُبُوتِهِ وَيَزُولُ بِزَوَالِهِ وَيَحْرُمُ بِحُرْمَتِهِ وَيَحِلُّ بِحِلِّهِ حَيْثُ جَازَ فِي تَوَلِّي الْهَدِيَّةِ مِثْلُ مَنْ أَهْدَى لَهُ لِلْفَرْضِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ بَدَلِ الْفَرْضِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ أَهْدَى لَهُ لِوِلَايَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَالْإِمَامِ وَأَمِيرِ الْجَيْشِ وَسَاعِي الصَّدَقَاتِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي الْهَدِيَّةِ حُكْمُ ذَلِكَ الِاشْتِرَاكِ وَلَوْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَقَدْ وَعَدُوهُ بِالنِّكَاحِ فَزَوَّجُوا غَيْرَهُ رَجَعَ بِهَا. وَالنَّقْدُ الْمُقَدَّمُ مَحْسُوبٌ مِنْ الصَّدَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ فِي الصَّدَاقِ إذَا تَوَاطَئُوا عَلَيْهِ وَيُطَالِبُ بِنِصْفِهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ كَالشَّرْطِ الْمُقَدَّمِ إلَّا أَنْ يُفْتُوا بِخِلَافِ ذَلِكَ وَإِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا وَيَكُونُ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا قَالَ الْقَاضِي هِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ تَزَوَّجَتْهُ وَإِنْ شَاءَ لَمْ تَتَزَوَّجْهُ وَتَابَعَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّهُ سَلَفٌ فِي النِّكَاحِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَيُتَوَجَّهُ صِحَّةُ السَّلَفِ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا كَمَا يَصِحُّ فِي الْعِتْقِ، وَيَصِيرُ الْعِتْقُ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْمُسْلِفِ إنْ فَعَلَهُ وَإِلَّا قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فِي تَوْفِيَةِ الْعَقْدِ الْمُسْتَحَقِّ كَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي تَوْفِيَةِ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَنْفَعَةٌ مِنْ الْمَنَافِعِ فَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ كَالصِّنَاعَاتِ. وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا الثَّوَابُ.
وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي اشْتِرَاطِ التَّزْوِيجِ عَلَى الْأَمَةِ إذَا أَعْتَقَهَا لُزُومُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute