غَيْرِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ وَقَالَ مَا قَبَضْتُ وَسَأَلَ خِلَافَ خَصْمِهِ فَلَهُ ذَلِكَ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ كَوْنُ الْمُقَرِّ بِهِ بِيَدِ الْمُقِرِّ.
وَالْإِقْرَارُ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْإِنْشَاءِ كَقَوْلِهِ (قَالُوا أَقْرَرْنَا) وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ وَأَرَادَ إنْشَاءَ تَمْلِيكِهِ صَحَّ.
وَمَنْ أَنْكَرَ زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ فَأَبْرَأَتْهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا كَانَ لَهَا طَلَبُهَا بِحَقِّهَا وَمَنْ أَقَرَّ وَهُوَ مَجْهُولٌ نَسَبُهُ وَلَا وَارِثَ حَيٌّ أَخٌ أَوْ عَمٌّ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَأَمْكَنَ قُبِلَ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ لَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَذِكْرُهُ الْحِلَّ تَخْرِيجًا وَكُلُّ صِلَةُ كَلَامٍ مُغَيِّرَةٌ لَهُ اسْتِثْنَاءٌ وَغَيْرُ الْمُتَقَارِبِ فِيهَا مُتَوَاصِلٌ وَالْإِقْرَارُ مَعَ الِاسْتِدْرَاكِ مُتَوَاصِلٌ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ قَالَ فِي الطَّلَاقِ إنَّهُ سَبَقَ لِسَانُهُ لَكَانَ كَذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْبَلَ الْإِقْرَارُ الْمُتَّصِلُ وَمَنْ أَقَرَّ بِمِلْكٍ ثُمَّ ادَّعَى شِرَاءَهُ قُبِلَ إقْرَارُهُ وَلَا يُقْبَلُ مَا يُنَاقِضُ إقْرَارَهُ إلَّا مَعَ شُبْهَةٍ مُعْتَادَةٍ وَلَوْ أَبَانَ زَوْجَتَهُ فِي مَرَضِهِ فَأَقَرَّ وَارِثٌ شَافِعِيٌّ أَنَّهُ وَارِثُهُ وَأَقْبَضَهَا وَوَرِثَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِالْخِلَافِ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَعْوَى مَا يُنَاقِضُهُ وَلَا يُسَوَّغُ الْحُكْمُ لَهُ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِيمَا إذَا قَالَ أَنَا مُقِرٌّ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِالْمُدَّعِي بِهِ لِأَنَّ الْمَفْعُولَ مَا فِي الدَّعْوَى كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ قَبِلْتُ أَنَّ الْقَبُولَ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِيجَابِ لَا إلَى شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمَذْهَبِ.
وَأَمَّا إذَا قَالَ لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ فَبَيْنَ الْإِنْكَارِ وَالْإِقْرَارِ مَرْتَبَةٌ وَهِيَ السُّكُوتُ وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ أَنَا لَا أُكَذِّبُ فُلَانًا لَمْ يَكُنْ مُصَدِّقًا لَهُ فَالْمُتَوَجِّهُ أَنَّهُ مُجَرَّدُ نَفْيِ الْإِنْكَارِ إنْ لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ قَرِينَةٌ بِأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي مِمَّا يَعْلَمُهُ الْمَطْلُوبُ وَقَدْ ادَّعَى عَلَيْهِ عِلْمَهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا. حَكَى صَاحِبُ الْكَافِي عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ فِيمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَيْتُكَ مِنْهَا مِائَةً إنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِأَنَّ الْمِائَةَ قَدْ رَفَعَهَا بِقَوْلِهِ وَالْبَاقِي لَمْ يُقِرَّ بِهِ وَقَوْلُهُ مِنْهَا يَحْتَمِلُ مَا تَدَّعِيهِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا يُخَرَّجُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي أَبْرَأْتُهَا وَأَخَذْتُهَا وَقَبَضْتُهَا أَنَّهُ مُقِرٌّ هُنَا بِالْأَلْفِ لِأَنَّ الْهَاءَ يَرْجِعُ إلَى الْمَذْكُورِ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِالْمِائَةِ عَلَى رِوَايَةٍ فِي قَوْلِهِ كَانَ لَهُ عَلَيَّ وَقَضَيْته، ثُمَّ هَلْ يَكُونُ مُقِرًّا بِهَا وَحْدَهَا أَوْ الْجَمِيعَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالصَّوَابُ فِي الْإِقْرَارِ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ أَنَّ نَفْسَ الْإِقْرَارِ لَا يَتَعَلَّقُ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْمُقَرُّ بِهِ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ قَدْ يَكُونُ مُعَلَّقًا بِسَبَبٍ قَدْ يُوجِبُهُ أَوْ يُوجِبُ أَدَاءَهُ دَلِيلٌ يُظْهِرُهُ فَالْأَوَّلُ كَمَا لَوْ قَالَ مُقِرًّا إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ لِفُلَانٍ أَلْفٌ صَحَّ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ رَدَّ عَبْدَهُ الْآبِقَ فَلَهُ أَلْفٌ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا فَقَالَ إنْ رَدَّ عَبْدَهُ الْآبِقَ فَلَهُ أَلْفٌ صَحَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute