حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ نِكَاحًا صَحِيحًا نِكَاحَ رَغْبَةٍ لَيْسَ فِيهِ دُلْسَةٌ " وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ عَلَى أَنْ يُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ: " لَا تَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ نِكَاحًا أَثْبَتَ النِّيَّةَ فِيهِ، فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ " وَقَالَ أَيْضًا فِي رِوَايَتِهِ: " إذَا نَكَحَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْحَالِ لِتَرْجِعَ إلَى الْأَوَّلِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَالْمَهْرُ لَا بُدَّ مِنْهُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا " وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِهِ.
ثُمَّ أَكْثَرُ مُحَقِّقِيهِمْ قَطَعُوا بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَوْلٌ وَاحِدٌ فِي الْمَذْهَبِ.
وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْهُمْ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فِي كُتُبِهِ الْمُتَأَخِّرَةِ مِثْلُ الْجَامِعِ وَالْخِلَافِ، وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُ مِثْلُ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ، وَأَبِي الْمَوَاهِبِ الْعُكْبَرِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا، وَسَنَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - أَصْلَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ: " وَلَوْ تَزَوَّجَهَا فَإِنْ أَعْجَبَتْهُ أَمْسَكَهَا، وَإِلَّا كَانَ قَدْ احْتَسَبَ فِي تَحْلِيلِهَا لِلْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ وَلَا يُحِلُّهَا ذَلِكَ لِمَا خَالَطَ نِكَاحَهُ مِنْ نِيَّةِ التَّحْلِيلِ، وَقِيَاسُ قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّ هَذَا نِكَاحٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى فِرَاقَهَا إذَا لَمْ تُعْجِبْهُ وَصَارَ التَّحْلِيلُ ضِمْنًا، وَأَمَّا مَنْ سَوَّى مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالْمُحَلِّلِ وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ: إنْ جِئْتنِي بِالْمَهْرِ إلَى وَقْتِ كَذَا، وَإِلَّا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَنَا. فَإِنَّ قَوْلَهُمْ يُوَافِقُ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُسَوُّونَ بَيْنَ أَنْ يَشْرِطَ الْفُرْقَةَ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْمَهْرِ ".
وَلِلشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِهِ الْقَدِيمِ الْعِرَاقِيِّ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا مُطْلَقًا لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَا اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ التَّحْلِيلُ إلَّا أَنَّهُ نَوَاهُ وَقَصَدَهُ، قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ الْجَدِيدِ الْمِصْرِيِّ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْهُمْ، وَفِي الْقَلْبِ مِنْ حِكَايَتِهِ هَذَا عَنْ هَؤُلَاءِ حَزَازَةٌ، فَإِنَّ مَالِكًا أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَذَاهِبِ الْمَدَنِيِّينَ، وَأَتْبَعُهُمْ لَهَا، وَمَذْهَبُهُ فِي ذَلِكَ شِدَّةُ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute