صِحَّتِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ مَا يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي التَّحْرِيمِ.
وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى مِنْهَا مَا رَوَى النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ شُعْبَةَ سَمِعْت أَبَا بَكْرِ بْنَ حَفْصٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مُحَيْسِنٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا» . وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ بِلَالِ بْنِ يَحْيَى الْعَبْسِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ السِّمْطِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ بِاسْمٍ يُسَمُّونَهَا إيَّاهُ» .
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ: «لَيَسْتَحِلَّنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ» وَأَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ، وَابْنُ مُحَيْرِيزٍ إمَامٌ سَيِّدٌ جَلِيلٌ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ الْخَلَّالِ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَذْهَبُ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ حَتَّى يَشْرَبَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا» . وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ
، فَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ، إنَّمَا شَرِبُوا الْخَمْرَ اسْتِحْلَالًا لِمَا ظَنُّوا أَنَّ الْمُحَرَّمَ مُجَرَّدُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَظَنُّوا أَنَّ لَفْظَ الْخَمْرِ لَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ عَصِيرِ الْعِنَبِ النِّيءِ. فَمَعْلُومٌ أَنَّ شُبْهَتَهُمْ فِي اسْتِحْلَالِ الْحَرِيرِ وَالْمَعَازِفِ أَظْهَرُ، فَإِنَّهُ قَدْ أُبِيحَ الْحَرِيرُ لِلنِّسَاءِ مُطْلَقًا وَلِلرِّجَالِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَكَذَلِكَ الْغِنَاءُ وَالدُّفُّ قَدْ أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ فِي الْعُرْسِ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ أُبِيحَ مِنْهُ الْحِدَاءُ وَغَيْرُهُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ دَلَائِلِ التَّحْرِيمِ مَا فِي الْخَمْرِ.
فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ يُخْسَفُ بِهِمْ وَيُمْسَخُونَ إنَّمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِمْ مِنْ جِهَةِ التَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ الَّذِي اسْتَحَلُّوا بِهِ الْمَحَارِمَ بِطَرِيقِ الْحِيلَةِ فَأَعْرَضُوا عَنْ مَقْصُودِ الشَّارِعِ وَحِكْمَتِهِ فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَلِذَلِكَ مُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، كَمَا مُسِخَ أَصْحَابُ السَّبْتِ بِمَا تَأَوَّلُوا مِنْ التَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ الَّذِي اسْتَحَلُّوا بِهِ الْمَحَارِمَ، وَخُسِفَ بِبَعْضِهِمْ، كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute